أكتب فكرة هذا الصباح للبرهان على أن أقلامنا ليست جرثومة نقد واقتناص تقتات على النقاط السوداء في الجدار العريض الأبيض. أكتب للبرهان على أننا قد نثني وننصف كل جملة مفيدة تعمل في هذا الوطن العزيز المعطاء. قارئ كريم يهاتفني ما قبل البارحة مشتعلا في ثورة غضب لأن السفارة السعودية، وعلى عهدته، لم تفعل ما يجب تجاه ضحايا ومصابي أهلي ووطني في حادث إرهاب مطار إسطنبول. يستشهد ببيانات السفارة المتناقضة حول أعداد القتلى والمصابين. حديث طويل لكنه لا يذكر شيئا من الحقيقة، فلا يقل أحدكم إني كاتب من طراز (vip) الذي يستمتع بخدمات سفاراتنا حيثما حل وارتحل. أنا لم أطرق باب سفارة ولم أهاتف سنترالاتها في كل رحلاتي الكثيرة الواسعة، لكنها شهادة حق، ولا بد أن أكتبها بضمير حي مرتاح لما يكتب.

هذا الوطن من أكثر بلدان العالم اهتماما برعاياه، وهم اليوم بالملايين في أصقاع العالم. هذا الوطن يدرك قيمة المواطن، بل ومن أكثر دول الكون دفعا لإخراج أبنائه من القضايا والقصص التي تقع عليهم في مدن الدنيا، ومن العيب أن نكذب على الحقيقة. أنا شاهد على حالتين:

الأولى: لصديق وقع في ورطة قانونية فأخرجه وطنه منها بتكاليف محاماة ناهزت ذات زمن ما يقرب من المليون، وربما لا يتذكر معالي الوزير عادل الجبير أنني هاتفته بعدها شاكرا بعد انتهاء القصة، وهو لا يعرفني أبدا، فلم يكن من جوابه إلا: هذه مهمتنا هنا في (واشنطن) وأن نطمئن على هذه الآلاف حتى العودة للوطن. كنت مع السفير السعودي السابق في باريس، وفي منزله، عندما جاء سكرتيره ليقول له إن شابا سعوديا مع عروسته سرقا في مطار شارل ديغول ولا يريدان سوى تذكرة للعودة، ويومها لم تكن التذاكر إلكترونية أعطاه السفير تكاليف إقامة مكتملة لخمسة أيام، ويومها قلت لمعاليه ضاحكا: هؤلاء عرسان فلماذا لا تضاعف المدة؟ كان جوابه الفوري ويشهد الله: بلدهما أكبر من هذا، ولهما من الآن أسبوعان.

الخلاصة أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الواقع. من هو الذي جرب سفارة سعودية وهو في محنة حقيقية صادقة وغير مفتعلة، ولم يكن على خطأ قانوني في البلد المضيف ثم تخلت عنه السفارة؟ الحق الأبلج يجب أن يكتب، ولا يمكن لحادث إرهابي ضخم مثلما جرى في مطار إسطنبول أن يتحول إلى خطأ تتحمله السفارة. ما حدث هناك قصة أكبر من تدخل سفارتنا أو من قدرتها على توفير المعلومة الصحيحة في ذات اللحظة. عاملوا سفارتنا على جواب السؤال: ماذا ستفعل مع أهلنا هناك حين تتضح الحقائق؟