لا شك عندي وعند الكثيرين أن شخصية "عدنان إبراهيم" شخصية مليئة بالتناقضات، فهو العقلاني الذي يخالف العقل في الكثير من المواضع، وهو الداعي إلى عدم تقديس الأشخاص الذي يمارس تقديسهم بحسب المزاج، وهو المتحدث بأسلوب علمي الذي يقدم الجهل تحديدا عندما يتحدث عن الكرامات والأولياء، أما عن علة "الأنا" المتأصلة فيه فيمكن تمريرها كونها علة تصيب الكثير من المفكرين والأدباء والساسة المؤثرين، وها هو الشاعر يقول في زهو دون أن تنتفي عن أشعاره صفة الإبداع "أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي، وأسمعت كلماتي من به صمم".
يضاف إلى ما سبق من العلل هذا التشعب في الحديث عن كل شيء -تقريبا- من الفيزياء لعلم الذرة مرورا بأصل البشر ونظريات التطور وبداية الكون ثم عن الأديان والمذاهب والصحابة والأولياء! ومن الصعب على من يتحدث عن كل شيء أن يلم بكل ما يتحدث عنه، لهذا يجد من يتابعه العديد من نقاط الضعف في حديثه المتسم بالحدة والانفعالية والغرق أحياناً في الماضوية، وأنا شخصياً ضد كل من ينفض الغبار عن التاريخ ويقلب في الأرشيف القديم ويعيد إحياء شخصيات الأمس، فهذه مسألة تجعل المتابع يطرح كل الأسئلة التي عفى عليها الزمن، ولو أنه تفرغ للأحاديث العلمية الفكرية والرد على الملحدين والمشككين لكان أجمل.
ومما يردد بأنه من العيوب أن الرجل حتى الآن لم يأت بجديد، فما يقوله موجود وبإسهاب أمام من يبحث، وهذه حقيقة لكنها ليست عيبا، فالرجل وبحق هو خير من يلملم ما نعرف ثم يعيد طرحه بأسلوب وطريقة شيقة، وهو خير من يتبحر فيما نعرف وليس بجديد علينا، الرجل لديه موهبة في هذا الجانب ولا شك، بالإضافة إلى سعة معرفة جعلته ظاهرة تقض مضاجع الكثيرين، ويكفي منه فقط أنه أخرج منبر المسجد من بوتقة الخطب المسجعة والأحاديث المقفاة المكررة كأحاديث الطلاق وبر الوالدين ومفطرات الصيام رغم أهمية هذه المواضيع، ولا شك إلا أن الشباب اليوم في حاجة لدعاة يحدثونهم بلغتهم، بالعلم والفلسفة والمنطق، في حاجة لمن يرد على كل هذه الشكوك التي تداهمهم من اليسار واليمين.
إن سلاح الفتاوى والتهديد والوعيد والتشكيك لا يجب أن يستخدم مع شخص كـ"عدنان إبراهيم" بغض النظر عن صحة ما يقول أو خطئه، بغض النظر عن عيوب الرجل وعلله، فهو ليس "حسن نصرالله أو البغدادي" حتى توجه إليه أسلحة من هذا النوع، إنما هو شخص يلعب في ساحة الفكر، يطرح أفكاراً وينثرها أمام العامة وأجدى سلاح في هذه الحالة أن تتم مواجهته فكرياً وأمام العامة، أن يتم حواره أو مناظرته حول ما يطرح -علناً- وأن تكون الغاية الوحيدة هي الحق ولا شيء آخر، فربما يرعوي الرجل ويعلن توبته ويتراجع، أو ربما سيظهر للعامة أنه فعلاً كما يقال مجرد دجال لا أكثر، أو ربما يتوب من يحاوره ويكتشف أنه المخطئ، في كل الحالات بالحوار وحده سيتم الوصول لمنطقة المنتصف، وبعيداً عن الحوار سيستمر الالتصاق بالأطراف.
لقد سئل أحد العلماء: ما رأيك بالدكتور "مصطفى محمود"؟ فكان الجواب: هذا الملحد الخبيث يقول إن أصل البشر قرود، متحولون عن قرود، كأنه حكم على نفسه بأنه قرد، وهو صحيح أنه قرد في فكره وعقيدته! والسؤال هنا: أي أثر تركه لنا من أفتى بقردانية "مصطفى محمود"؟! وأنا هنا لا أقارن "مصطفى محمود" بـ"عدنان إبراهيم" لكن للقول إن مسألة التكفير والتهديد والصراخ لا مكان لها في ساحة الفكر، قد يكون من يتم تكفيره وزندقته ضالا فعلاً لكن إن لم يرفع سيفاً ولم يدع لقتل وسفك دماء فلا سلاح يجدي معه سوى الحوار والنقاش والمجادلة بالتي هي أحسن.