شهد العام 1979 ولادة توأمين مشوهي الخلقة والخلق، ينزعان دائما للدمار والإفساد في الأرض، يقاتلان بعنف كل ما يقود إلى الأمن والأمان والاستقرار والحياة الهادئة. ولد هذان التوأمان في ليلة شؤم على المنطقة والعالم، كابوس حل على أبناء الوطن ومناطق الجوار. ارتديا عباءة الدين وسعيا إلى زيادة أنصارهما بعبارات مخادعة وكاذبة. إنهما الطائفية والإرهاب.
كانت شعوب منطقة الشرق الأوسط متعايشة ومتناغمة رغم الكثير من الخلافات السياسية، كما أن مسألة الشيعة والسنة غير مطروحة إلا في دوائر صغيرة وضيقة للغاية. كانت دول مثل الكويت والعراق والبحرين ومدينة الأحساء السعودية أنموذجا للتعايش بين الشيعة والسنة، فهناك حسن الجوار بين أتباع المذهبين والزيجات بين العائلات الشيعية والسنية، لا أحد يسأل جاره عن مذهبه بل تجد في بعض العائلات الشيعي والسني على حد سواء. فرغم الاختلاف في المعتقد إلا أن التعايش وقبول الآخر كانا السمة الأبرز، واسألوا إن شئتم كبار السن غير المؤدلجين من الجانبين ممن عاشوا في مدن وأحياء مختلطة مذهبيا.
وعن ظاهرة الإرهاب فإن المنطقة لم تعرف ذلك مطلقا قبل 1979. لقد برز ما يعرف بالإسلام السياسي إلى السطح بعد اختطاف الثورة الشعبية الإيرانية من قبل الملالي بقيادة الخميني، وحرك ذلك شجون أصحاب النزعات الأيديولوجية في المنطقة وبخاصة في ظل الشعارات البراقة التي رفعها النظام الثيوقراطي الجديد في طهران، وانتقلت العدوى إلى بعض الدول العربية وحصل تناغم عجيب بين الجانبين.
لقد سعت إيران الخمينية إلى إعادة ترتيب المنطقة وفق رؤية طائفية وثقتها في عدة مواد من دستور النظام الجديد، فاعترفت في المادة الثانية عشرة بأنها ترتكز على المذهب الشيعي الجعفري (الاثني عشري) في إطار ولاية الفقيه، وقامت بتهميش بقية الأقليات الدينية والمذهبية في البلاد، وفي المادة 154، عبرت عن إستراتيجية التدخل في شؤون الآخرين تحت مسمى حماية "المستضعفين" خارج حدودها، وتعني بذلك الأقليات الشيعية في المنطقة، ونصّبت نفسها مدافعا عنهم وحاميا لهم، بينما نجدها في الوقت ذاته تنتهك حقوقهم وتمارس الاضطهاد ضدهم في الداخل الإيراني، حيث نجد الشعب العربي الأحوازي ذي الغالبية الشيعية الاثني عشرية، وخارجها بالوقوف إلى جانب أرمينيا المسيحية ضد دولة أذربيجان الشيعية، فأي دفاع عن الشيعة هذا وهي تقتلهم وتدعم من يحاربهم لأسباب عرقية بحتة؟
يجب أن نذكر هنا أنه في الوقت الذي كانت إيران تعيش في حالة اقتصادية جيدة ويعيش الشعب الإيراني في رغد من العيش، وفي المقابل كانت شعوب المنطقة العربية في حالة اقتصادية سيئة نسبيا لم ينزع الشيعة العرب في المنطقة إلى طلب العون أو المساعدة أو حتى التطلع لاهتمام من الجانب الإيراني، والأهم أن النظام الحاكم في إيران آنذاك لم يلعب على هذا الجانب مطلقا، فكيف يكون ذلك في إيران ما بعد الثورة وقد انقلبت الصورة رأسا على عقب وبمقدار 180 درجة؟ السر يكمن في تركيز إيران على داء الطائفية وزرع خلاياها في الداخل العربي، ومحاولة إثارة النعرات الطائفية وتصوير الشيعة العرب بالمضطهدين والمستضعفين، الأمر قاد فئة قليلة منهم لركوب المشروع الإيراني وتنفيذ أجندته بعد تصديق هذه الخرافة. قامت إيران بتأسيس ودعم الميليشيات الشيعية في الداخل العربي من لبنان شمالا إلى اليمن جنوبا، مرورا بالعراق والبحرين والكويت والسعودية لخدمة مشروعها التوسعي تحت غطاء المذهب. علاوة على ذلك استغلت إيران ما يسمى بـ"الصحوة" ونزعة دعم الجهاد في أفغانستان لخدمة مشروعها السياسي من جانب، وتشويه صورة الدول العربية السنية أمام الغرب من جانب آخر، فسخرت كافة إمكانياتها لدعم تنظيم مثل "القاعدة" وسهلت لقادته وعناصره حركة التنقل على حدودها مع أفغانستان وباكستان والعراق لاحقا، ومرور الأموال والرجال عبر أراضيها، إلى جانب استضافة قيادات "القاعدة" في مدن إيرانية كثيرة، والشواهد على ذلك كثيرة وموثقة وباعترافات من رموز التنظيم الذين انشقوا عنه لاحقا، والأهم ما برز في رسائل بخط يد أسامة بن لادن نشرتها صحف غربية يحث فيها أتباعه على عدم استهداف المصالح الإيرانية. وبعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي، وفرت إيران الخدمات ذاتها لعناصر التنظيم بطرق مبتكرة حتى وإن تبادل الجانبان شعارات العداء بأعنف صورها، لكن الواقع يقول إن تنظيم داعش نحر أتباع عدد من جنسيات عربية وأجنبية، وكشفوا عن هويات الضحايا بالصوت والصورة ولا يوجد بينهم إيراني واحد، على الرغم من أن إيران تزعم الاشتباك المسلح المباشر مع التنظيم في مدن عراقية مثل الرمادي وتكريت والفلوجة وداخل الأراضي السورية أيضا، فهل يعقل أن يفشل التنظيم في القبض على جندي - ولا أقول ضابطا إيرانيا- واحد وتفعل به ما فعلت مع الياباني الأميركي والبريطاني والأكراد والمصريين والسعوديين وغيرهم!
ختاما، كان التركيز قبل وصول الملالي إلى الحكم في إيران منصبا على تلك النبتة الغريبة التي تم زراعتها في المنطقة العربية واحتلت الأرض الفلسطينية، وما إن ظهر داء الطائفية وظاهرة الإرهاب حتى ابتليت المنطقة بهذا الصراع وكأن الهدف من ورائه هو تهميش القضية، وكأن مهمة الخميني كانت ذلك ولا شيء غيره، حتى وإن رفع النظام الإيراني شعارات مزيفة تزعم الدفاع عن القضية الفلسطينية، إلا أن واقع الحال يقول إن إيران لا ترغب ولا تسعى مطلقا إلى حل القضية الفلسطينية حتى لا تخسر ورقة ظلت تستخدمها طويلا للتدخل في الشأن العربي.