كنا سعداء جدا بما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعنا، وكيف أعطت كلا منا حريته للتواصل مع الناس كلهم وبكافة جنسياتهم وأعراقهم ودياناتهم ومذاهبهم. أعطتنا حرية لم نكن نحلم بها يوما، لم نكن نحلم أن تنشر حروفنا وأصواتنا وفيديوهاتنا دون أن تمر بقيود رقيب متسلط. حتى أيام المنتديات والحوارات كنا تحت رحمة مشرفيها والإدارة. هذه الطفرة التي نعيشها الآن أخرجت معها الكثير من الكبت، ويبدو ذلك ظاهرا من خلال حواراتنا المتشنجة في هذه الوسائل. رغم أني لا أخشى من ظاهرة التشنج والحدة، ومؤمن بأنها قد تزول في المستقبل بعد أن يرتفع وعينا ونعرف أن النقاش ليس هدفه تغيير قناعات المختلفين. تماما كما انتهت ظاهرة المتصل الذي يحاول إحراج مذيعة على الهواء. ففي عز انتشار القنوات الفضائية سابقا كنا نضع أيدينا على قلوبنا مع كل اتصال على الهواء، ونرى ذلك واضحا على ملامح وجه المذيعة أو المذيع. لكن الجانب الأسوأ في طفرة العولمة هو سرعة وصول المعلومة والأخبار السيئة، فهي تزيد هموما على همومنا. فكل ما يحدث في العالم يأتيك بلحظته وحينه، وغالبا الأخبار السيئة هي الطاغية وهي التي تتصدر المشهد.
مع وسائل التواصل لم يقتصر الحزن على معاناة ومصائب من نعرفهم أو من يعنون لنا، بل تجاوز ذلك لنحزن حتى على مصاب من لا نعرفهم، وهذا متعب نفسيا.
في "تويتر" قبل أسبوع علق أحد الأشخاص على إحدى تغريداتي وأضحكني بتعليقه وأدخل البهجة والسرور على قلبي. بعدها بثلاثة أيام كتب لي أحدهم أن ذلك الشخص توفي وطلب مني الدعاء له. لا أعرف لماذا حزنت جدا رغم أني لم أكن أعرفه ولم أتابعه! مجهول مر مرور الكرام وأسعدني بتعليقه وبعدها بأيام رحل عن حياتنا. هذا المجهول لم يكن صديقا ولا قريبا ولا أعرف حتى اسمه، ولكن بالتأكيد خبر وفاته أحزنني، وما زلت محتفظا بتغريدته حتى اللحظة.