وسأكتفي من اسم صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور بالإشارة إلى الكنية المحببة إليه: "أبوعلي" أولهما، وهذا اعتراف أحمر واضح صريح أنني لا أريد لمحبيه أن يعرفوا حجم ارتباطي العاطفي والديني معه كي لا يكون، وفي اعتراف واضح صريح، موقع شبهة، ويعلم الله أنني أكتب هذا السبب بقلب تأخذه الحسرة والألم، أننا وصلنا إلى هذا الحد من هذا الفرز البغيض، وهذا التصنيف المريض، ويعلم الله وحده ماذا بالسرائر. ثانيهما لأن "أبوعلي" هو اسمه المفضل الذي يربطه بأبيه وكل من حوله يعرف تلك السيرة الاستثنائية لوالده التي تتحدث عنها ركبان هذه القرى بما قد لا يفوقه أحد، ونسأل الله له الرحمة والمغفرة. أكتب عن فضيلة الشيخ الدكتور "أبوعلي" لأنني هاتفته باكياً خائفاً قبل فترة طويلة، وأنا لم أكن أبداً أستفتيه فأنا أعرف الفتوى ولكنني كنت أبث خلجات النفس اللوامة التي تشعر بثقل عقدة الخطأ وكيف يكون المخرج. أنهيت المكالمة الطويلة مع هذه القامة التي تسلحت بأغلى علوم الشريعة، ومرة أخرى، ويشهد الله، باكياً لأنه فتح أمامي آيات الله الرحمن الرحيم الغفور التواب ذي الرحمة. قرأ علي كم يحمل هذا القرآن الكريم من بركات الله، عز وجل في علاه، على عباده: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله".
شكراً "أبوعلي" لأنني هاتفتك مبتدئاً ببكاء الخوف وأنهيتها معك بدموع الفرحة، وهنا أستأذن الإخوة الفضلاء من طلبة العلم ورموزه أن أستغل التجربة لأكتب لقاماتكم ما يلي: لماذا يبدو في الأغلب طالب العلم الشرعي متجهماً عابساً؟ ولماذا لا نسمع منكم في الأغلب سوى جمل اللوم والتقريع مع كل خطأ نقترفه في حياتنا حتى ولو كان هذا الخطأ بسيطاً شارداً مثلما كان في قصتي مع "أبوعلي"؟ ومهما كان فهو بيني وبين الخالق "وربك الغفور ذو الرحمة". لماذا لا تقرؤون علينا، وأنا هنا لا أعمم، سوى آيات العذاب والويل والثبور؟ ولماذا تسمعوننا في الغالب كل جملة تأخذنا إلى اليأس والقنوط؟ لماذا نشعر مع بعضكم أننا مجتمع من الخطأ والرذيلة رغم سرائر الأنفس التي لا يعلمها إلا الله في علاه؟ لماذا ندخل على بعضكم وبالكاد يرد علينا حتى تحية الإسلام، عطفاً وحكماً على أشكالنا أو مظاهرنا أو حتى ثيابنا؟ فكيف ستكونون معنا لو أننا بحنا إليكم بكل عقدة ذنب أو نتيجة خطأ وأنتم أفضل من يعلم أن خير الخطائين التوابون؟ خير من يعلم أننا إن لم نخطئ فسيستبدلنا الله بمن يخطئ ثم يستغفر.
أهلي الكرام من طلبة العلم: صدقوني أن عشرات آلاف شبابنا ينتظرون البسمة والأمل والتفاؤل مثلما يطلبون أن تبينوا لهم سعة الله في القبول والعفو والتوبة والمغفرة. كونوا على ثقة أن هذا المجتمع سيكون أصح وأقوى بالكلمة الطيبة التي تشرح فضل المولى على عباده وعظيم واسع مغفرته.