-1-
ضيوف الرحمن يتوافدون على المشاعر المقدسة من كل فج عميق..
وسيقفون بعد غد، في عرفات، ليشهدوا مناسك لهم..
ومواسم الحج، كانت على مدار العصور والأجيال مواسم دينية ومعرفية أيضاً. ففي الحج كان يلتقي فقهاء المسلمين بمسلمين لم يروهم من قبل. ويتحدثون إلى مسلمين لم يكن بالإمكان التحدث إليهم إلا في موسم الحج. وكان الحجاج يلتقون بفقهاء وعلماء في الدين، كانوا يتمنون ويحلمون أن يلتقوا بهم في يوم من الأيام، ويستمعوا إليهم. وكانت المشاعر المقدسة عبارة عن قاعات كبيرة مفتوحة للعلم والمعرفة الدينية والدنيوية. ويحدثنا المؤرخ العراقي الأشهر جواد علي في سِفْره الكبير "المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، كيف أنّ العرب في الجاهلية، كانوا يحرصون على تقديم أحدث وأبرع وأبدع ما لديهم من تجارة، وثقافة، ومعرفة. وأن مواسم الحج ازدهرت، وازدانت بمثل هذه النشاطات.
-2-
ولو تأملنا في موسم الحج والزيارة أيضاً لأداء العمرة على مدار العام، لوجدنا أن المملكة العربية السعودية تتمتع بمزية فريدة بين البلدان والأزمان. وهذه المزية تتلخص في أن ضيوف الرحمن في كل عام، يأتون لأداء مناسك دينية في أماكن محددة، من السهل ضبطها، وتأمين السلامة والأمن فيها. كما تتلخص في أن زمن هذه المناسك معروف ومحدود بعدة أيام. ولكن المزية الكبرى لموسم الحج، أن الحجاج يأتون من كافة أرجاء الأرض، ومن أجناس، وأعراق، ولغات كثيرة، ومختلفة. ومن هنا كان موسم الحج بمثابة موسم ديني إنساني عالمي. يدعى إليه – بدون بطاقات دعوة – كافة المسلمين في كل أرجاء الأرض. كما أن الزيارة لأداء العمرة خلال معظم أيام السنة، تتيح للمسلمين اللقاء مع حقائق دينية كثيرة، من خلال علماء مسلمين يزورون الأماكن المقدسة.
-3-
من الواجب أن تتم الاستفادة من هذه المواسم بشكل أكبر وأوسع.
نعم، إن ضيوف الرحمن.. جموع بمئات الآلاف جاءت من كل فج عريق لأداء مناسكهم. ولكنهم كذلك تواقون لمعرفة ماذا يدور في المملكة العربية السعودية وماذا يتم في رحلة – الإصلاح والانفتاح – فالحجاج والزوار أثناء حجهم وزيارتهم، يزورون المراكز التجارية في مكة المكرمة والمدينة المنورة لشراء هداياهم من الأراضي المقدسة، لأقربائهم الذين يحتفظون بها كهدايا مباركة من الأراضي المقدسة. فما زلت حتى الآن أحتفظ في بيتي بطاسة ماء الشرب (الحجيّة) المنقوشة الجميلة، و(الطاقية) المقصَّبة التي أحضرتها جدتي لي من الحج، منذ نصف قرن أويزيد، كتحفتين مباركتين رائعتين.
فلا يكفي الحجاج والزوار والمعتمرين الآن، حمل سجاجيد الصلاة، والسُبح، وتمر المدينة (من سوق الصافية)، والسواك، والبخور والعطور، والخواتم المطعمة بالعقيق والكهرمان.. إلخ. كهدايا لأقربائهم وأحبائهم في أوطانهم. ولكن من الجميل والمفيد أيضاً، أن يحملوا معهم الحقيقة التي شاهدوها على أرض الواقع السعودي، وهي ثمار الإصلاح والانفتاح السعودي، التي نضج منها الآن الكثير.
-4-
ما يمكن أن تقدمه السعودية متمثلة في وزارة الإعلام والثقافة ووزارة الحج وإمارة منطقة مكة المكرمة يمثل الشيء الكثير.
فلا ننكر أن كثيراً من حجاج بيت الله الحرام لا يعلمون ماذا يدور الآن من إصلاح وانفتاح في المملكة. وعندما يتم تقديم مثل هذه المعلومات لهم، فذلك لا يكون من باب الاستغلال لمواسم الحج، وكذلك لمواسم العمرة والزيارة. فمثل هذه المعلومات يجب أن تكون مطروحة في أسواق الحج والعمرة والزيارة، مثلها مثل أية بضاعة أخرى مطروحة في الأسواق التجارية الضخمة، التي تشهدها الآن مكة المكرمة والمدينة المنورة. فلا جبرَ، ولا إرغامَ، ولا قسوةَ، ولا دفعَ، ولا تحايلَ، ولا إغراءَ، ولا تحفيزَ، ولا مقابلَ مادياً، أو معنوياً، ولا أي دافع للاطلاع على ما يمكن أن يتم تقديمه في هذا الشأن. وإنما يترك ضيف الرحمن على راحته ولرغبته في المعرفة، إن أراد إلى ذلك سبيلاً. وإن لم يُرد تركها، وانصرف عنها.
-5-
فوزارة الإعلام والثقافة، عليها واجب كبير، وهو القيام بإقامة معارض للكتاب السعودي في مكة المكرمة والمدينة المنورة، كمعارض الكتاب السنوية لتعريف ضيوف الرحمن بالثقافة السعودية الجديدة. ولكن قبل هذا عليها تحضير لما سوف يُعرض باللغات الحية (الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية). ويمكن الاستعانة في هذا الشأن بما سوف تقوم به وزارة التربية والتعليم من ترجمات لبعض الإبداعات الثقافية السعودية، كما قالت لنا الأخبار قبل فترة.
كما أن وزارة الثقافة والإعلام يمكنها التوسع في ذلك، من خلال عرض منتجات الحرف اليدوية لمختلف مناطق المملكة في هذه المعارض.
-6-
إن تلخيص إنجازات مسيرة الإصلاح والانفتاح التي تشهدها المملكة منذ سنوات، والإنجازات التعليمية المختلفة التي تمثلت في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست)، والطفرة الهائلة التي أحدثتها "مسيرة الإصلاح والانفتاح" بابتعاث حوالي مئة ألف طالبة وطالب إلى مختلف جامعات ومعاهد العالم، وإصلاح مناهج التعليم الديني والدنيوي، المتمثلة في المقررات المدرسية الجديدة، وغير ذلك من الإنجازات، لجديرة بالجمع، والتنسيق، والترجمة، إلى اللغات الحية وتوزيعها بأسعار رخيصة جداً – وليس مجاناً لكي لا تُعتبر دعاية واستغلالاً للمواسم الدينية – من خلال هذه المعارض، ومن خلال مكتبات جديدة، ومنافذ للبيع يجب العمل على إقامتها في المشاعر المقدسة.
كذلك، فمن المفيد، أن تقوم وزارة الإعلام بإعداد كتالوجات وكتب ومطبوعات مختلفة تبين ما تقوله المملكة يومياً وموسمياً، من خلال ما يكتبه عشرات كتَّاب الصحافة السعودية التنويرية الجديدة من آراء ووجهات نظر شجاعة ومتقدمة في مختلف شؤون الحياة، وهي دليل واضح ووضّاء على واقعية "مسيرة الانفتاح والإصلاح" التي تقودها المملكة الآن، بكل عزم وجسارة.
-7-
إننا نرى، أن الدول ذات المرافق السياحية الضخمة، وذات المرافق الدينية المقدسة كالقدس، وبيت لحم، والفاتيكان وغيرها، مليئة بالكتب والمنشورات السياحية والمطبوعات المختلفة التي تقوم بالتعريف والتثقيف في الوقت نفسه للزائرين والحجاج لهذه الأماكن. فيعود الزائر والحاج، وهو يحمل في يمينه كتابه المقدس وكتبه الدينية، ويحمل في شماله مطبوعات كثيرة، تذكر وتشرح بالكلمة والصورة تاريخ، وحضارة، وثقافة، وإنجازات ذلك البلد.
(وللموضوع صلة).