لم تستخدم بريطانيا أي دبابة لتخرج من الاتحاد الأوروبي، ولم تعلن انقلاباً عسكرياً يطيح بحكومة الوحدة، لم تحول قادة الاتحاد الأوروبي وأعضائه الآخرين إلى شياطين. لم تلجأ لإشعال حرب أهلية، لم يسقط أي ضحايا، ولم يزج بالسياسيين المؤيدين للاتحاد في السجون، فقط أعلن عن موعد للاستفتاء، وفتحت الصناديق بموعد محدد، جاء الناس إلى المراكز بنسبة مشاركة غير مسبوقة (72%) وشاركوا في تقرير مصيرهم وتحديد مستقبلهم، وقالوا بنسبة (51.9) أنهم يفضلون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. هكذا ببساطة وهدوء، لم يكن ينقصها إلا إعلان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون فور صدور النتائج أنه يستقيل ليترك المجال لحكومة جديدة لتدير عملية التفاوض على الخروج من الاتحاد، وتنهي الترتيبات القانونية والسياسية والاقتصادية لعملية الانفكاك.
بالطبع لا يستطيع مواطن عربي أن يمر على تفاصيل هذا الحدث مرور الكرام، ولا يستطيع إلا أن يستذكر التجارب "المشابهة"!! التي عرفتها المنطقة العربية، ويعدد الطريقة أو الطرق التي مرت بها تجارب الوحدة أو الاتحاد، ثم الانفصال، ولعل أبرزها وأكثرها حضوراً اليوم هي تجربة اليمن الذي لم ينته حتى الآن من "تقرير مصير" وحدته، التي احتاجت لحرب أهلية كي تحصل وحربين أهلية وإقليمية كي تنتهي. التجربة الأبرز والأكثر شهرة هي تجربة الوحدة السورية المصرية في عام 1958 والتي استمرت لـ3 سنوات، انتهت بانقلاب عسكري، أنهى الوحدة في ساعتين وبقي يتغنى بها لـ50 عاماً، وتسبب بانقلابات عسكرية تالية استمرت لـ10 سنوات، قبل أن يضع حافظ الأسد حداً لها عبر الإمساك بصلابة على مفاصل الحكم والدولة، وتثبيت حكمها بالحديد والنار.
في محاولات أخرى أعلنت سورية ومصر وليبيا اتحاداً ثلاثياً في 1 أيلول 1971، لم ينتج سوى ورق الاتفاقية التي وقعها الرؤساء الثلاثة حافظ الأسد وأنور السادات ومعمر القذافي، وتلاشى مع خروجهم من القاعة، رغم أنه أجري عليه استفتاء في الدول الثلاث وحظي بموافقة (99 و98 و96 %) من المشاركين، لكنه تلاشى وكأنه لم يكن، وكان قد سبقه مشروع اتحاد آخر بين سورية والعراق ومصر تم توقيعه في 17 نيسان عام 1963 بعد انقلابي حزب البعث في العراق وسورية، ولم يكتب له أن ير النور عبر أي تطبيق على أرض الواقع هو الآخر.
أواخر أيام حسن البكر في عام 1979 وقعت سورية والعراق كذلك مشروع وحدة، ما زالت سورية حتى اليوم تتهم "النائب" صدام حسين بإجهاضه، ومات صدام حسين وهو يتهم حافظ الأسد بأنه كان يعد مؤامرة إمبريالية لإلحاق العراق وسورية بالمشروع الأميركي، وأن الوحدة مجرد أداة لتنفيذه، وأنه تم إحباط المؤامرة والحمد لله.
بالعودة للاستفتاء البريطاني، الذي جرى بسلاسة وهدوء، فالتوقعات تجمح بتصور الآثار المقبلة التي سيتركها على عموم القارة الأوروبية، والبعض يتوقع أن يؤدي هذا الخروج لتفكك الاتحاد الأوروبي بكامله، وإنهاء التجربة التي تفاخر بها الأوروبيون كثيراً، وحسدتهم عليها باقي شعوب الأرض، والاقتصاديون يتوقعون انهياراً لليورو، رغم أن بريطانيا احتفظت بعملتها رغم دخولها في الاتحاد، والسياسيون يحذرون من كارثة قادمة ستصل ارتداداتها إلى العالم أجمع، بينما يقلل البعض من آثار هذا الحدث، على اعتبار أن أوروبا تمتلك البنية القانونية والسياسية والقوة الاقتصادية والنضج الاجتماعي والثقافي التي ستمكنها من تجاوز هذه التجربة ومواصلة لعب دورها المركزي في العالم المعاصر.
المؤيدون للانفصال في بريطانيا وعموم أوروبا لديهم وجهة نظر مختلفة فهم يعتبرون الانفصال لمصلحة أوروبا وشعوبها، فزعيم حزب الاستقلال البريطاني (يوكيب) المناهض للاتحاد الأوروبي والمهاجرين نايجل فاراج اعتبر أن الاتحاد الأوروبي يحتضر داعياً إلى تشكيل "حكومة خروج من الاتحاد الأوروبي" أو "حكومة بريكسيت" بعد تأييد البريطانيين لهذه الخطوة.
وقال: "أرجو أن نكون قد خلعنا أول حجر في الجدار وأتمنى أن تكون هذه هي الخطوة الأولى باتجاه أوروبا تضم دولا ذات سيادة".
وأضاف: "بدأت أحلم بمملكة متّحدة مستقلة. فعلنا ذلك من أجل أوروبا بأكملها. آمل أن يُسقط هذا الانتصار ذاك المشروع الفاشل وأن يدفعنا باتجاه أوروبا مُكوّنة من دول ذات سيادة".