سآخذكم هذا الصباح إلى مسافة طويلة جداً للمقاربة والمقارنة التي تأخذ بالألباب حد الدهشة. في اليوم السابق تابعت واحداً من أمتع وأغرب البرامج الوثائقية، ويمكن لي اختصار الزبدة فيما يلي: يبلغ طول الحدود ما بين شمال الصين وجنوب جمهورية منغوليا ما يقرب من 4500 كيلومتر. تعيش على طول الحدود المشتركة ما بين الدولتين ما يقرب من 13 ديانة مختلفة تتباين ما بين الكونفوشيسية إلى البوذية إلى المسيحية القادمة في القرن الأخير. على طول هذه الحدود تعيش عشرات القوميات والأعراق والشعوب التي تتباين في الجوهر والأصل. والذمة على ذات البرنامج المذهل فإن أطول حدود بين بلدين هي تلك الحدود التي تمتد ما بين تشيلي والأرجنتين، وهما دولتان تتقاسمان ذلك العرض النحيل جداً من خريطة المكان، ولكن بطول يمتد لما يقرب من 480 كيلومتر. وكل الدهشة أن هذا الجوار ما بين هذه الشعوب، وبحسب البرنامج الوثائقي نفسه لم يثمر عن جريمة عرقية أو طائفية أو دينية واحدة.

أحياناً، بل في لحظات كثيرة من حياتي أغبط مثل هذه الشعوب التي استطاعت أن تتجاور بتعايش وسلام. خذ مثلاً أن دولة مثل فنلندا تحتفل نهاية الشهر الماضي بمرور خمس سنوات متتالية دون حادثة قتل واحدة، وأنا لا أمزح لأن هذه هي الحقائق.

أشعر بالحزن الشديد لأننا نعيش في هذه البؤرة الموبوءة من خريطة هذه الأرض، بعد البرنامج الوثائقي الذي كتبته في رأس المال انتقلت إلى نشرة الأخبار: في هذه النشرة ما يلي: حسن نصرالله يعلن في خطاب مكشوف أن الأموال التي تصل إلى حزبه الإرهابي الطائفي تصل كما تصل صواريخ الكاتيوشا، وأنه لا توجد قوة قانونية تستطيع منع تدفق هذه الأموال، رغم أن كل مساحة الطول لا تتجاوز 300 كيلومتر في البحر والبحر. نشرة أخبار محلية تطلب مداخلتي للحديث عن قاتلي والدتهما وطعن والدهما وأخيهما، وحينما ابتدأت قول الحقيقة في تحليل ما يحدث تم الاعتذار عن مداخلتي بكل كياسة ولباقة. في ذات نشرة الأخبار: 18 برميلاً متفجراً تصب حممها فوق حلب وإدلب، الحشد الشعبي الطائفي في العراق يعلن عن قتل 1500 داعشي في مدينة مثل الفلوجة التي لا تتجاوز مساحتها 13 كيلومترا مربعا. خمسة آلاف "حوثي" في اليمن الشقيق يرتهنون ما يقرب من 25 مليون مواطن يمني. حزام ناسف يقتل خمسة جنود أبرياء في مخيم لاجئين على الحدود الأردنية السورية. ودعك من كل ما يحدث في ليبيا وتونس وسيناء والصومال ومالي ونيجيريا وباقي هذه الخريطة المريضة من بين كل مساحة هذه الأرض. صار الحلم أن نعيش في "أوتشوا" في جنوب تشيلي أو تلك القرية الصغيرة "هاميلتون" في شرق نيوزيلاندا حيث يعتبر دهس الشاة جريمة.