أقام الانقلاب التركي الفاشل الدنيا ولم يقعدها بعد. وفيما يخصنا من هذه الدنيا الوسيعة فقد توشحت معرفاتنا في وسائل التواصل الاجتماعي بأعلام تركيا أو صور إردوغان، وكذلك الحال بالنسبة للصحف الورقية، فقد ظهر التفاعل مع الحدث من أغلب الكتاب والمحللين ما بين مؤيد ومعارض، وهذه هي طبيعة الأشياء.

الشيء الذي لا يمكن إنكاره أننا بالفعل شعب تحركه العاطفة، لكن في هذه الحالة التركية فإن هناك سببين لفرحتنا بفشل الانقلاب، أحدهما عاطفي بالتأكيد، لكن الآخر عقلاني لمن لديه عقل.

أما الأول (العاطفي) فلأننا رأينا في شخص إردوغان -كما رأينا من قبل في شخص مهاتير محمد- نموذجا للحاكم المسلم الصالح الذي نقل دولته من مصاف الدول الفقيرة اقتصاديا، حيث كانت تحتل مرتبة بعد المئة إلى المركز السادس عشر عالميا، والذي رفع دخل الفرد السنوي من ثلاثة آلاف وخمسمئة دولار إلى أحد عشر ألف دولار، وبنى في عشر سنوات أكثر من مئة وعشرين جامعة وخمسمئة مستشفى ومئة وسبعين ألف فصل دراسي وآلاف المختبرات العلمية، وزرع آلاف الأشجار ودعم الصناعة، ومع كل هذه الأعباء والمشاغل فإنه يجد الوقت للذهاب مع طفل إلى منزل أبويه ليدخل عليه السرور، ويكافئ طالبة بعد عشر سنين من حرمانها لجائزة مستحقة بسبب ارتدائها الحجاب، فكيف لا نكون عاطفيين مع رجل هذه أفعاله؟

أما السبب الآخر (العقلاني) فهو سياسي ديني، فتركيا اليوم من أهم الدعائم لقضية الشعب السوري في نضاله المشروع ضد الطاغية بشار، وبسقوطها في يد العسكر ستفقد الدعم السياسي واللوجيستي الذي يأتي من الأراضي التركية، وسيفشل بالتأكيد مشروع توطين المستضعفين من السوريين الذين أجلتهم الحرب وفروا بأرواحهم إلى تركيا. والقضية السورية لا تهم السوريين وحدهم، لكن نتائجها -كما هو معلوم للجميع- تؤثر على المنطقة بأكملها والسعودية على وجه الخصوص. لذا لا بد للسعودية من تركيا كحليف إستراتيجي في المنطقة في ظل الظروف الجيوسياسية الخطيرة التي تحيط بها، ولا شك أن هذا الحلف يزداد قوة ومتانة في وجود رجل على رأس الحكومة التركية يملك نفس الأهداف والتوجهات التي تملكها الحكومة السعودية بخلاف حكومة عسكرية لا يعرف توجهاتها، ويكفي التنبؤ فقط بأنها ستكون حتما أقل دعما للقضية السورية.