اعتدنا في روتينية حياتنا أن نقدس بعض المقولات والعبارات الموروثة من أجدادنا، ونعدّها صافرة الحكم في منعطفات حياتنا دون التعمق في معنى تلك المقولات، ومعرفة مغزاها أو مناسبتها للحدث الذي قيلت فيه، ومدى مناسبتها له وصحتها.

جمعتني مناسبة ببعض الصديقات والقريبات على اختلاف أعمارهن. دار الحديث بيننا حول التقنية الحديثة وقروبات "واتساب" وأثرها في العلاقات الاجتماعية.

شرعت كل واحدة فيهن سرد قصة وموقف حدث لها بسبب تلك الـ"قروبات" ومشكلاتها. ذكرت إحداهن موقفها وسردت القصة طالبة المشورة من المستمعات، حينها اشتد اختلاف الرأي في وجهة النظر بين اثنتين إحداهن في العقد الخامس والأخرى في عقدها الثالث، فصلت بينهن من طرحت المسألة قائلة: "المثل يقول أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة". وبه انتهى النقاش، وفي الحقيقة كنت أتفق مع رأي الأصغر سنا.

سرحت في التفكير وقتها حول مدى صحة هذه المقولة؟ وهل بالفعل الأكبر عمرا دائما هو الصواب؟

لا أتفق مع هذه المقولة وغيرها من العبارات التي لا يقبلها عقل ولا منطق، ومع ذلك نستخدمها كثيرا في حياتنا مع الإيمان بها إيمانا قطعيا.

بالتأكيد مبادئ أخلاقنا تُجبرنا على احترام الأكبر سنا، وتقدير خبرتهم، واحترام وجهة النظر المختلفة، أيّا كان عمر صاحبها، وخلافنا دائما في موضع الفكرة فقط، ولكن العلم والمعرفة لا يمكن تقييدهما عند العمر الفعلي.

صحيح أن الخبرة مطلوبة، ولكن هذا المثل أو المقولة المقصود بها ليس الخبرة الحياتية فقط، وإنما الخبرة العلمية والمعرفية. والعقل لا يقاس بالعمر فقط، أحيانا نفاجأ بأشخاص أعمارهم صغيرة، ولكنهم يتمتعون برجاحة في العقل وحكمة وسداد في المشورة. الأيام والظروف وتجارب الحياه تجعلنا نتألم ونتعلم في

الوقت نفسه، ونتائج هذه الظروف والتجارب تجعل من الفرد شخصا قويا واعيا، وفي المقابل نصادف أشخاصا نفاجأ من عقولهم الفارغة وتفكيرهم السطحي، رغم تجاوز عمرهم الفعلي أعمار جميع من حولهم، فشتان بين هذا وذاك.

كذلك معرفة شخص وخبرته في مجال معين لعلمه وتخصصه في هذا المجال لا تعطية المعرفة في كل المجالات، مهما كانت درجة وعيه في مجاله.

فالمقياس هنا ليس بالعمر الفعلي ولا العمر العقلي المختص في اتجاه واحد فقط، وإنما بتحديد وعي العقل وصاحب العقل في موضوع النقاش.

وبالتالي، هذه المقولة عارية من الصحة تماما، فنوعية الأيام التي عاشها الإنسان في الحياة، هي ما تعطي الإنسان تلك الخبرة والعلم والحكمة، وليس عدد الأيام التي عاشها.

الخبرة بالكيف وليست بالكم، دون التقليل من الرأي ووجهة النظر الأخرى.