??مشكلة الفكر المجتمعي أنه يعتمد في الأساس ليس على فكر معين بذاته بقدر ما يعتمد على تفسير مفكرين بعينهم، وليس معنى هذا أن المشكلة أو النجاة بالضرورة تكمن في نقلنا عن مفكر معين بقدر ما هي تكمن في القدر الذي يتحلى به ذلك المفكر من مزج ما بين العقل والنقل، بحيث تزيد النجاة كلما حكمنا العقل في تبني الأفكار المناسبة للزمان والمكان وتنقص كلما ابتعدنا عنها.
من أهم الشخصيات التي أثرت بي منذ الصغر في دمجها لهذين المكونين الأساسيين في الفكر الإنساني هو الدكتور مصطفى محمود العالم والمفكر المصري المعروف، والذي توفى قبل أعوام تاركا لنا نحن المهتمين في تزاوج العقل بالدين إرثا من المقولات الغارقة في الحكمة والمعاني التي تدلل بالمنطق والقراءة العقلية عظمة الكون والخالق والتشريع الإسلامي القويم.
ربما ليس مهما ما أقول هنا بقدر ما هو مهم ما قاله هذا العالم الراسخ في العلم، ولذلك فإن من المهم هنا أن أسرد بعض تلك المقولات التي أثرت بي، والتي ربما تفتح المجال لمن لا يرى الأمر كما أراه، فيعيد النظر ويبحث في اتجاه مختلف ليكتشف أن الحق بكونه حقا له تجليات عديدة.
يقول الدكتور مصطفى محمود: "نحن نعيش تناقضات غريبة، فالإنسان الذي وصل النجوم ووضع قدميه على القمر وفي نفس الوقت غير مؤمن ليس له تفسير سوى أن لديه انفصاما.. انفصاما عقليا". ويقول في الإسلام في عصره: "نحن في مسيس الحاجة الآن إلى انتشار صورة الإسلام المستنير بصورة أكبر وأكثر عمقا.. فهذا هو الحل الحقيقي لكل المشاكل والقضايا".
وإذا ما صنفنا الدكتور مصطفى بأنه كاتب إسلامي فهذا لا يعني أنه مع ما يسمى بالإسلام السياسي الذي يقول فيه: "إن شعار الإسلام هو الحل ما هو إلا شعار فضفاض لا يدل على شيء، فالخميني رفع ذات الشعار والتكفير والهجرة فعلوا ذلك، وشيعة إيران إلا أنهم جميعا يقاتلون بعضهم بعضا".
ولن أنسى قراءته لمعنى تطبيق الشريعة عندما قال: "حين تذكر (الشريعة) فإنه لا يتناهى إلى الأذهان إلا قطع اليد والرجم والجلد والسحل وإطالة اللحية وتقصير الثوب، مع أن أول شيء ذكر في القرآن هو (اقرأ)، فأول الشريعة هو العلم، فربنا أمرنا بالعلم في قوله "وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا".