تحتفل إيران هذه الأيام بالذكرى السنوية 31 لاحتلال السفارة الأميركية في طهران، والتي تحولت في حينها إلى أزمة سياسية من بين الأزمات الأخرى التي شهدتها إيران بعد انتصار ثورة فبراير 1979، بعد ما اعتقل المقتحمون للسفارة 52 دبلوماسيا أميركيا وأصبحوا رهائن بيدهم لفترة استمرت 444 يوما.
وكان مطلب المسؤولين الثوريين الذين قاموا بأسر الدبلوماسيين هو تسليم الشاه الراحل إلى إيران ورفع تجميد الأموال الإيرانية.
ولم تكتف أميركا بعدم تلبية هذا المطلب فحسب، بل فرضت حظرا أحادي الجانب على إيران لا يزال مستمرا حتى الآن، وصادق جميع الرؤساء الأميركيين الذين وصلوا إلى البيت الأبيض على هذه العقوبات خلال الثلاثين عاما الماضية.
ومع طرح موضوع الملف النووي الإيراني، توسع نطاق هذه المقاطعات ليشمل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أيضا.
أما الشعب الإيراني فإنه يتساءل منذ ثلاثين عاما: متى تنتهي الأزمة السياسية بين إيران وأميركا لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقا؟.
خلال السنوات الثلاثين الماضية، توالى عدة رؤساء على الولايات المتحدة وإيران، ولا يزال الشعب الإيراني ينتظر نسف جدار عدم الثقة بين البلدين لعودة المياه إلى مجاريها. أما تجميد العلاقات بين طهران وواشنطن فإن دولا عديدة تجني مصالح كثيرة من استمراره.
بذل رفسنجاني وخاتمي جهودا لتحسين العلاقات بين البلدين لكنها لم تؤد إلى نتيجة. فقضية ماك فارلين في فترة حكم رفسنجاني والحديث المعسول بين خاتمي وقادة الولايات المتحدة لم يؤديا إلى نتيجة.
في الحقيقة أن مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي وعددا من المتطرفين من مستشاريه هم المسؤولون عن عدم عودة العلاقات بين البلدين.
عندما نعود إلى قبل 31 عاما وننظر كيف تسلق عدد من الطلبة الفوضويين جدار السفارة في عام 1981، نرى أن غالبية هؤلاء الشباب المتطرفين الذين يصفون أنفسهم بالثوريين و"السائرين على خط الخميني" لم يبق منهم أي أثر.
أما رجال الدين الموجودون في السلطة فإنهم يستغلون إحياء ذكرى احتلال السفارة لتحقيق مصالحهم الخاصة، حيث إن النجاح السياسي يتطلب الترويج للعداء للولايات المتحدة وتحريض المشاعر المعادية لأميركا ووصفها بـ"الشيطان الأكبر".
عندما وصل الدكتور أحمدي نجاد، وهو أول رئيس من غير رجال الدين بعد أبو الحسن بني صدر، إلى الحكم رسم لنفسه صورة تروج بأنه كان من المشاركين في عملية اعتقال الرهائن الأميركيين، حيث نشرت صورة لشاب نحيف يمسك بيد أحد الرهائن وقالوا إنه أحمدي نجاد، لكنه لم يكن أحمدي نجاد حيث أفصح ذوو هذا الشاب عن هويته فيما بعد وأوضحوا أنه استشهد في الحرب مع العراق، وثبت أن أحمدي نجاد لم يكن له أي دور في احتلال السفارة الأميركية.
كما نشر خبر ادعى بأن أحمدي نجاد كان ضمن فريق اغتيالات قام باغتيال عدد من قادة المعارضة في ألمانيا في عام 1992.
وقيل أيضا إن أحمدي نجاد من أصول يهودية، بالإضافة إلى ترويج أخبار أخرى هنا وهناك بين الحين والآخر لتسلية الجميع.
لكن الأمر الذي بقي مكتوما هو جهوده التي يتابعها بعيدا عن الأنظار لتحسين العلاقات بين إيران وأميركا، والتي لم تؤد إلى نتيجة حتى الآن مع الأسف.
رغم ذكاء أحمدي نجاد الذي يختفي خلف جسده النحيل، وكونه مهندسا يعرف أصول المحاسبات، فإن حساباته الدقيقة لم تؤد إلى كشف معادلة تؤدي إلى تحسين العلاقات بين البلدين.
لاشك أن محمود أحمدي نجاد قد قام بخطوات لتحسين العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، في ظل ثقة مرشد الجمهورية الإيرانية به، لكن المرشد أعلن أنه هو الذي يقرر موعد تطبيع العلاقات وأنه لم يأت هذا الموعد بعد. لكن نداءات أحمدي نجاد واقتراحاته لإجراء مناظرات مع الرئيس الأميركي ومشاركته كل عام في اجتماعات الأمم المتحدة لم تؤد جميعها إلى مقابلة الرئيس الأميركي ليصافحه ويلتقط معه صورا أمام عدسات الكاميرات لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
أحمدي نجاد يرى أن نقطة الانطلاق يجب أن تكون بعيدا عن الأعراف الدبلوماسية ويتحين الفرصة لتحقيق ما يريد.
أما الأحاديث والخطابات الرنانة لتقبيح أميركا والحديث عن الشيطان الأصغر والأكبر فيقوم بها مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي ليؤدي دوره الرسمي.
الشعب الإيراني لا يعتبر ذكرى احتلال السفارة الأميركية بأنه يوم جدير بالاحتفال والاهتمام لأنه أدى إلى وصفهم بالإرهابيين والخاطفين.
الحضارة الإيرانية ليس لها علاقة بمثل هذه الممارسات، وإذا كانت الحكومة الإيرانية تطلب من أميركا الاعتذار من الشعب الإيراني بسبب مشاركتها في الانقلاب ضد مصدق لصالح الشاه، فربما يطلب الشعب الأميركي من إيران أيضا الاعتذار بسبب احتلال السفارة.
لكن هل يفلح أحمدي نجاد قبل انتهاء فترة ولايته في أن يكون سببا لتحسين العلاقات بين إيران وأميركا، أم إنه على العكس تماما يعمل لجر الأمور إلى نقطة حساسة وخطيرة؟