قرأنا أخيرا عن قضية لسيدة سعودية أمضت 32 عاما وهي في حكم الزوجة لرجل تخلى عن مسؤولياته حيالها هي وابنها منه، وتمت التسوية بأن يدفع الزوج 3 ملايين ريال سعودي عن الفترة المشار إليها في الخبر. ولأن البيوت أسرارا لم نعرف عن الخبر أكثر مما نشر في الإعلام فكنا كما يقول الشاعر "علمت شيئا وغابت عنك أشياء".
لا يعلم إلا الله سبحانه كيف عاشت هذه السيدة حوالي نصف عمرها وكيف تعايشت مع محيطها أو تجرعت مرارة هذا الظلم الذكوري عليها وهي ترى من حولها ومن هن في عمرها يمارسن حياتهن بشكل طبيعي ويرزقن بالبنين والبنات ويمضين حياتهن مع أزواجهن، بينما هي محرومة من هذا كله. غالب الظن أنها لم ترد لحياتها أن تمضي بهذا الشكل ولم يدر في خلدها وهي تخطو خطواتها الأولى إلى بيت الزوجية قبل أكثر من 30 عاما أن أجمل سنين عمرها ستسرق منها بـ3 ملايين ريال سعودي. جاء القضاء بعد هذه السنين العجاف ليأمر زوجها بطلاقها وتعويضها ليوافق هو وكأنه يريد إغلاق هذا الملف المخجل!
لكن هل يظن هذا الزوج أنه عوّضها وبرأت ذمته منها؟ السؤال الملح هو لماذا علقها؟ ولماذا لم يقل له أحد طوال هذه السنين (طلّقها يا أخي)؟ أين كان أهله وأهلها والأقارب وإمام المسجد وأصدقاء الزوج وكل من سمع بهذه القصة قبل أن نسمع بها؟ كيف استطاع كل هؤلاء أن يقضوا حياتهم آمنين مطمئنين يسافرون ويتبادلون التهاني في المناسبات ويضعون رؤوسهم على الوسائد ليلا وهم يرون ظلما واضحا يقع على من لا يستطيع دفعه عن نفسه؟ لماذا لم يسأله أحد قبلا عن نفقتها ونفقة ابنها طوال هذه السنين؟ بل كيف قبلت مروءة هذا الزوج أن تظل إحداهن على ذمته وهو لا يؤدي ما أمره الله به نحوها؟
علقت إحدى صديقاتي على هذه القصة بقولها "السعوديات صبورات"، والحقيقة أننا تشربنا فكرة الصبر في الزواج واقتنعنا بها تحت ضغط المجتمع والعائلة وغيره من الاعتبارات، ولو كان هذا الصبر واجبا شرعيا يستوجب أجرا استثنائيا لأمر نبينا امرأة ثابت بن قيس بالصبر وضمن لها الجنة بدلا من أن يطلب منها أن ترد له حديقته وتفارقه حينما أرادت ذلك! بعض الرجال تأخذهم العزة بالإثم حين تطلب زوجاتهم الطلاق فيرفضون ما شرعه الله ويعلقون النساء دون أن يخشوا مساءلة قانونية فحبال المحاكم طويلة، والعديد من الأسر تجنِّب بناتها دخول المحاكم، بل قد تمنعهن من التظلّم أصلا. الزواج شركة بعقد وله شروط وفيه واجبات وحقوق، والأصل فيه هو المنافع المشتركة للطرفين وذريتهما لكن قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ويقدِّر الله انتهاء هذه الرحلة. الزواج رحمة وسكن ومودة وصداقة وعلاقة مقدسة، غايتها إنتاج أفراد صالحين يبنون المجتمع ولا أتصور أن من يقضي عمره في حماية علاقة مهزوزة غير صحية يستطيع تجهيز غيره للحياة. إذا لم يجعلك الزواج شخصا أفضل ويساعدك على تحقيق أحلامك ورؤية الجمال في الدنيا فأنت مع الأسف تستهلك طاقتك وتضيِّع عمرك في علاقة غير صحية! أبناؤنا مراقبون جيدون ويتعلمون قيم الحياة وقيمتها بمراقبة تصرفاتنا ولذلك من الواجب علينا ألا نسيء إلى قدسية الزواج ونحصره في تسلط طرف وخضوع الطرف الآخر، بل لا بد من إحياء القيم الزوجية والتأكيد عليها في كل مناسبة.
إن قصص النساء حول معاناتهن للحصول على الطلاق لا تنتهي.. تحكي إحداهن أنها طلبت الطلاق أكثر من مرة وفي كل مرة يردّ زوجها (لا أطلّقك حتى يبلغ أصغر أبناؤك مبلغ الرجال ويكون مسؤولا عنك) وهي كما تقول على قيد الانتظار لتبدأ الحياة! لم أقل لها إن زوجها يمارس ما اعتاد عليه وما شجعه عليه من حوله من وصاية عليها تنتهي بتسليم ملفها لابنها فهي في نظره ناقصة الأهلية، وفي حاجة مستمرة لولي حتى لو كان هذا الولي قد خرج من أحشائها! وللأسف مثل هذا الزوج يدرك غياب عقوبة العضل والتعليق، وخضوع الحكم في مثل هذه القضايا لمزاجية القاضي.
الحقيقة المرة أن إحدانا قد تكون موظفة ومستقلة ومستقرة لكن ما زالت تعامل كمن لا يدرك مصلحته في أمورها الخاصة.
لذلك نقول من أجل المروءة يا معاشر الرجال، إذا استحالت الحياة الكريمة بين أحدكم وشريكة حياته فليتق الله فيها ويطلقها ويكرمها ويكف أذاه عنها ولا يعرِّضها للمحاكم، وليتمثل قوله تعالى (وإن يتفرقا يغنِ الله كلاً من سعته) فإذا فشلنا في خلق زواج هادئ ومستقر فعلى الأقل ننتهي إلى انفصال هادئ و مستقر.