العنوان مقتبس من فيلم سعودي وثائقي استطلاعي يعد الأول من نوعه في مجتمعنا، حيث يخترق أسوار البيوت التي تعيش معاناة مرضى "الزهايمر"؟، ويعرض حالات حقيقية أوقعها المرض في عالم آخر غير عالمها، والذي لا تعرف فيه أهلها ولا سكانها ولم تشاهدهم من قبل ولا تعرف شيئاً عن هذا العالم الجديد بالنسبة لها، فلا عنوان تذكره، ولا معلم تدركه ولا وجه تألفه. فقدان تام للمكان والزمان والأحباب. والمؤسف أنها لا تملك قدرات تمكنها من تسجيل معلومات جديدة عن هذا العالم الجديد في كل تفاصيله.

يعتصر القلب ألماً وتسح الدموع سحاً أسى وكمداً على أحباب لنا وصل بهم الحال إلى حال يزداد فيه التردي الذهني يوماً بعد يوم، فلم يعد يدور أمامهم أي مشهد يُعيد آمال الرجوع إلى سابق العهد، ولا حتى معشار ما كانوا عليه من رجاحة العقل وصواب الفكر وسديد القول والفعل.

أكتب هذا من رحم المعاناة، من واقع تجربة حقيقية لأعز الناس وأغلاهم على قلبي وأقربهم لروحي، والدي شفاه الله وعافاه وأجزل له المثوبة في ما أصابه. لن أتطرق هنا عن أسباب المرض وعلاجه، وما إلى ذلك فهذا مما لا زالت الأبحاث الطبية تُجري عليه الدراسات المستفيضة، والمعامل والشركات المنتجة حثيثة على بحوثها دون نتيجة معتمدة فاعلة إلى اليوم.

لك أن تتخيل الإنسان/ة الذي كان يملأ الدنيا على من حوله حياة وسعادة ومرحا وعطاء وطيبة وتواصلا، يغدو إنساناً مختلفاً بالكلية. ينسى كل شيء، يفقد أغلى هبة ربانية فُضّل بها على سائر الخلق. (ولقد كرمنا بني آدم)، كرمه بالعقل الذي هو مناط التكليف، ومركز الخطاب الإلهي الموجه للإنسان، حيث كل خطوة يخطوها في مضمار الحياة هي من نتاج النشاط الذهني والتفكير الدؤوب المتجلي من شعاع جوهرة العقل.

سمي المرض باسم العالم الألماني  الذي اكتشفه عام 1906، وعلى هذا فهو مرض جديد وليس هو الخرف المعروف. بعض المصادر تُشير إلى أن عدد المصابين بهذا المرض في بلادنا يتجاوز الـ?50 ألف حالة مرضية والنسبة الأعلى تكون من النساء. وقد يزيد عدد الحالات إذا نظرنا لحالات يتم التكتم عليها من قبل أفراد الأسرة وهو مما يدعو للغرابة. وقد يصل بهم الحال إلى عزل المصاب بالكلية عن أقربائه ومعارفه وكأنه مرض مخز أو معد، مما يشير إلى نقص الوعي في أهم ما يتطلب فعله في هذه الحالة خصوصاً وعموم الحالات المرضية. إن تقبل الوضع والتعامل مع حالة المريض بروح عالية وتوطين نفوس أفراد العائلة وحملهم على تقدير هذا القدر النازل من السماء مع السعي الجاد لأسباب العلاج من أهم العوامل. عزل المصاب عن محيطه الاجتماعي فيه جناية على المريض مما يزيد في تردي الحالة للأسوأ، وبدلاً من ذلك يتطلب تواصله مع معارفه وأقرانه - بقدر معين- للتحدث إليهم لعله يتذكر بعضهم للتنفيس عن نفسه. وفي الجانب العام، يتطلب إنشاء مراكز متخصصة اجتماعية وأندية صحية يلتقون بأقرانهم سويعات من اليوم بإشراف مختصين ومؤهلين لمتابعة أوضاعهم الصحية والنفسية وتطوير وتنمية مهارات أفراد العائلة للتعامل السليم معهم كحق من حقوقهم علينا لأن الفراغ المستمر يؤثر على نفسية المريض

وفي هذا المقام نشيد بالجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر والتي تحمل رسالة سامية لتحسين المستوى الصحي والمعيشي لهذه الفئة ومن يقوم برعايتهم من خلال الهدف الأساسي لإنشاء الجمعية، وهو رفع مستوى الوعي العام في المملكة عبر تثقيف شرائح المجتمع المختلفة حول هذا المرض على وجه الخصوص من خلال وسائل الإعلام وشبكات التواصل الممكنة.

وفي جانب المريض تقدم الدعم والمساندة لمرضى الزهايمر وتحسين المستوى الصحي والمعيشي لهم.

وفي مسار أفراد عائلة المصابين، توفر الجمعية الخيرية لمرض الزهايمر الدعم والمشورة للعائلة ومن يقوم برعايتهم. والعمل على تشكيل حلقة وصل بين عائلاتهم من جهة ومقدمي الرعاية من المستشفيات والمراكز المتخصصة والتعاون معهم لتطوير مستوى الخدمات الطبية والرعاية المنزلية للمرضى.

لقد أثبتت الأبحاث أن العناية بالمريض والوقوف بجانبه تؤدي إلى أفضل النتائج مع الأدوية المتاحة، لذا فإن واجبنا كمجتمع ليس التعاطف فحسب، بل والمشاركة الحقة قدر المستطاع في إيصال أصواتهم لمنحهم حقوقهم الصحية والقانونية لتحسين البيئة المحيطة بهم، ولرفع المعاناة التي يعيشونها جراء نقص أو افتقاد معرفي تام بأساليب التعاطي معهم، والذي قد يفضي لسوء المعاملة واضطهادهم نفسياً وبدنياً وحقوقياً.