على الرغم من انتقاده المستمر لما يصفه بـ"المسرح التجاري" الذي تقدمه بعض الجهات الحكومية والخاصة في المملكة، إلا أن الكاتب المسرحي محمد السحيمي كان أحد أبرز حضور مهرجان أبها للكوميديا الذي تتواصل فعاليته في أبها. ويؤكد السحيمي في حديث إلى "الوطن" أنه لم ير "ابتهاجا جماهيريا" كما رآه في مهرجان أبها الدولي للكوميديا، ويعتقد أن ذلك دلالة أكيدة على تعطش الناس في المملكة للمسرح، وأن إظهار المسرح السعودي بات ضرورة ملحة، وما شاهده في المهرجان يعكس بداية رؤية 2030. ويقول "من خلال هذا المهرجان تحديدا استشعرت ولادة المسرح المحلي من جديد"، لكنه يرى أن ما يتم تقديمه من أعمال حتى الآن لا يرقى إلى أن يسمى عملا مسرحيا بالمعنى الفني الدقيق، واتهم المنتجين بممارسة وصاية على ذائقة الجمهور. "حاولوا ولا يزالون إقناعنا بأن هذا ما يريده الناس وما يصلح لهم، حتى وهم يقدمون إسفافا وتهريجا يسمونه مسرحا".
مقاولات
يعيد السحيمي مشكلة المسرح في المملكة إلى تقديمه كطبق مجاني للجمهور، وتحييد الجانب الاستثماري وتغييب القطاع الخاص، ويرى السحيمي أن جزءا كبيرا من الحل هو في التحول إلى المسرح التجاري الاستثماري الذي يراهن على أنه سيكون مفصلا في مسيرة الحركة المسرحية بالمملكة إلى الأفضل، فالمشاهد الذي لا يدفع مقابلا لما سيشاهده لن يلقي بالا أو اهتماما بأي عمل على كل المستويات وليس المسرح فقط.
ويرى أن أهم أجزاء الحل يكمن في كسر بيروقراطية الجهات الحكومية ونظرتها للفن من منظور "مقاولاتي" كأي مناقصة في بلدية، وأن هذه الأنشطة التي تنظمها تقدم المسرح على نحو مخجل كتكميل لفعاليتها الترفيهية، وكسوق القطعة، "خذ مبلغا وقدم لي عملا مسرحيا ضمن برنامجي الصيفي أو الشتوي وانتهينا" -على حد قوله-، دون أن تكون لديها أية خلفية أو مقيمون متخصصون للقيمة النوعية لما سيعرض.
وقال إنها بهذه الطريقة ترتكب "جريمة فنية" بحق المسرح والمسرحيين ندفع ثمنها. لأن المعروض سيكون هزيلا وبلا مضمون، وأحمل وزارة الثقافة والإعلام مسؤولية غياب المسرح السعودي، لغيابها عن وضع تصورات وخطط توازي أهمية المسرح كفن مؤثر في المجتمع.
اجتهادات في أبها
أكد السحيمي على أن الأنشطة الموسمية لا تصنع مسرحا ولكنها مسوق جيد له، وما يصنع المسرح الذي نأمله هو العرض المستمر على مدار العام، ومثال على ذلك غياب النصوص النوعية في مسارحها، وكل ما يعرض حاليا في أبها هو اجتهادات ارتجالية خارقة، فبعض الممثلين لم يقرأ دوره إلا حينما حضر، وبعض النصوص أعيدت صيغتها من جديد، وليس من المعقول أن نطالب بعمل نوعي في مثل هذه الحالة، وهذا سببه سياسة "بيع السمك في الماء" التي تتبعها الجهات المعنية بتنفيذ هذه الفعاليات.
اختطاف ممنهج
عزا السحيمي انهيار مشروع المسرح السعودي سابقا، ووصوله إلى هذه الحالة -التي وصفها- بـ"المتردية"، على حد تعبيره، إلى فكر "الصحوة الإقصائي" الذي سعى بكل طاقاته إلى اختطاف المسرح من خلال عمل ممنهج، وطمس هوية المسرح السعودي وإبادته، وتقديمه كفعالية خلفية ونشاط مدرسي بلا قيمة، وتقديم نصوص تهريجية، وتغيير مسمياتها في المدارس من "مسرح" إلى "قاعة أو صالة نشاط".
تبرير الحضور
برر السحيمي -الباحث عن النوعية في العمل المسرحي- حضوره لفعاليات يعلم مسبقا أنها لا تمثل المسرح الذي ينادي به، إلى أن ذلك تبرئة له من تهمة المثقف النخبوي المتعالي الذي يبخل بدعم محاولات إعادة بناء المسرح السعودي، وأنه يتشرف بذلك، وسيلبي كل الدعوات لإلقاء المحاضرات عن المسرح، طالما يشعر بأنها ستكون ذات جدوى على طريق استعادة المسرح الفاخر، وأنه سيعمل على ذلك في ظل دعم رؤية 2030 للفنون ومستقبلها في المملكة.