مع انحسار نفوذ الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، قفزت إيران لتبدأ اختراقاً مخططاً لهذه القارة، وتجعلها الثانية في أولويات سياستها الخارجية بعد الشرق الأوسط. ولقد رحبت فنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا بالوجود الإيراني ونفوذها، أما الدول الأخرى بالقارة فتم اختراقها سراً بواسطة السفارات الإيرانية والمراكز الثقافية والمساجد.

وتُشكل مجتمعات بيرو الريفية أهدافاً نموذجية لنشر الشبكات الإيرانية، وشركات اللحوم والنفط الكبيرة في كل من البرازيل وأوروجواي ظلت تستخدم للتغطية على عملاء إيران وجواسيسها، أما في شيلي فقد اخترقت إيران الجامعات.

في يناير 2015،  قُتل المدعي والمحقق في الأرجنتين، ألبيرتو نيسمان، بطلقة نارية في رأسه، قبل يوم واحد من الإدلاء بشهادته أمام الكونجرس الأرجنتيني حول ما قيل عن تغطية الحكومة الأرجنتينية لتفجير إيران الإرهابي للمركز اليهودي بعاصمة البلاد في 1994. ولم يصدر حتى اليوم حكم قضائي بشأن ما إذا كان نيسمان قد اغتيل، لكن تقريراً عن تحقيق في مقتله يتوقع أن ينشر قريباً قطع شوطاً بعيداً باتجاه إثبات دوافع إطلاق الرصاصة.

وسيُصدر المدير التنفيذي "لمركز المجتمع الحر الآمن" بواشنطن جوزيف هومير، التقرير المعني الذي استند إلى آلاف الوثائق والرسائل التي نشرت للجمهور لإثبات أن قتل نيسمان قضى على عقبة كبيرة أمام إيران، وفتح الباب أمامها للانتقال لمرحلة جديدة من عملياتها الإعلامية والتجسسية في أميركا اللاتينية.

وتُوصف إيران بأنها الدولة الأولى في العالم لرعاية الإرهاب، فإذا لم تكن هي التي اغتالت نيسمان، فقد كانت المستفيد الأكبر من تغييبه.

فقد كان نيسمان محققاً خاصاً في الهجوم على المركز اليهودي، وفي 2006 وجه الاتهام لـ8 مسؤولين إيرانيين سابقين، بينهم الرئيس الأسبق علي رفسنجاني، بالإضافة إلى أحد المواطنين اللبنانيين، وفي العام التالي أصدر الإنتربول -بطلب من نيسمان- مذكرات "حمراء" لاعتقال 6 من المتهمين، لكن إيران لم تستجب للمذكرات الدولية.

وكان نيسمان زعم بأن حكومة الرئيسة كريستينا كيرشنر أبرمت اتفاقاً سرياً مع إيران لمحو آثار طهران في الهجوم على المركز اليهودي مقابل نفط إيراني، وفتح السوق الإيرانية للحبوب واللحوم الأرجنتينية. وسجل نيسمان قبل مقتله بأسبوع بلاغات جنائية ضد أعضاء بحكومة كيرشنر، لكن قتله لم يحرم الجمهور من معرفة محتوى تقريره، وقضى غيابه على خطته لتدويل الجريمة الإيرانية، بعد أن كانت هذه الخطة تنطوي على تهديد الأهداف الرئيسية لسياسة طهران الخارجية.

وفي ديسمبر 2014، كانت أولوية إيران إنهاء العقوبات الأممية ضدها، وكان نيسمان على وشك قطع الطريق على هذا السعي الإيراني، وبعد 6 أشهر من مقتله، تم العثور على وثيقة موقَّعة من قبل نيسمان بتاريخ ديسمبر يطلب فيها من الحكومة الأرجنتينية أن تتقدم بطلب رسمي لمجلس الأمن الدولي للتدخل في قضية الهجوم على المركز اليهودي بسبب عدم استجابة إيران لطلب تسليم المتهمين الثمانية.

ينبغي المطالبة بالكشف عن الوثائق السرية (1500 وثيقة) "حتى تكون الأرجنتين على علم بخطورة النفوذ الإيراني وتاريخه الطويل داخلها"، وأضاف أن بقية دول القارة تستحق هي الأخرى أن تحاط علماً بمخططات إيران "في الوقت الذي انحسر نفوذ الولايات المتحدة بأميركا اللاتينية".