يعوّل كثير من المواطنين على نظام رسوم الأراضي البيضاء ولائحته التنفيذية، والتي أقرّها مجلس الوزراء أخيراً، إذ ستسهم اللائحة في خفض أسعار الأراضي والعقارات، وذلك عن طريق تنشيط السوق العقاري، من خلال دخول وحدات سكنية جديدة للسوق بما يزيد العرض ليتوازى مع الطلب ويخفض الأسعار، وبالتالي إمكانية تملك مسكن بأسعار اقتصادية مناسبة لدخول المواطنين.

وبالرغم من أن من ضمن الأهداف الرئيسية لنظام رسوم الأراضي البيضاء ولائحته التنفيذية هو بالفعل تخفيض أسعار الأراضي والمساكن، إلا أن هناك تخوفا من بعض المواطنين والمحللين الاقتصاديين، إذ يرى البعض أن الرسوم لن تكون حلاً سحرياً لامتلاك الوحدات السكنية، وذلك لأن الاقتصاد بحاجة إلى الانتعاش لرفع القدرة الشرائية، بالإضافة إلى أن تجار الأراضي لهم طرقهم في التحايل على النظام ولائحته التنفيذية.

فقد ذكرت تقارير صحفية أن من الطرق والأساليب التي تمكن أصحاب الأراضي البيضاء التهرّب من الرسوم هي: "تأجير الأرض، البناء بأقل ما يمكن، التجزيء إلى قطع أصغر وبيعها صورياً لأفراد العائلة، تقديم مشروع عليها واستغلال الوقت الطويل لاعتماد المشروع، تسويرها وتحويلها لاستراحة خاصة أو تسويرها واعتبارها تابعة للسكن"، وبالفعل يتداول الناس في الماضي قيام بعض التجار بإجراء مبيعات وهمية، وذلك لزيادة الطلب على الأراضي والمساكن من أجل رفع الأسعار!

وليس هذا وحسب، بل إن بعض الشركات العقارية ترى أن تطبيق الرسوم سوف يرفع الطلب على المواد الأساسية للبناء، وبالتالي ارتفاع أسعارها، وفي النهاية سوف يتحمل المواطن ارتفاع هذه التكاليف، بالإضافة إلى قيام ملاك الأراضي ببيعها ومن ثم توجيه السيولة إلى شراء المباني السكنية والتجارية، مما ينتج عن ذلك زيادة الطلب ورفع الأسعار، ناهيك عن تحمل ملاك الأراضي تكلفة هذه الرسوم والاحتفاظ بما لديهم من أراض، وإضافة هذه التكلفة إلى سعر البيع ليتحملها في النهاية المواطن.

وأما فيما يتعلق بركود السوق العقاري في الفترة الماضية، ففي رأي تلك الشركات أن سبب هذا الركود يعود إلى ترقب الناس لمنتجات وزارة الإسكان، بالإضافة إلى انتظار صدور بعض الأنظمة التمويلية والقروض وكذلك ترقب صدور نظام رسوم الأراضي البيضاء ولائحته التنفيذية، ناهيك عن تراجع القوة الشرائية، فالسوق العقاري بالذات في نظر البعض "يمرض ولا يموت"!

لقد ذكرت سابقا أن السوق العقاري بلا رقابة بالإضافة إلى وجود خلل في تخطيط المدن لدى الأمانات والبلديات، وأيضاً عدم فرض ضرائب على الأرباح الطائلة التي تحققها الشركات العقارية، وفيما يتعلق بفرض الزكاة، فكما هو معلوم فإن الأراضي والمباني تعد في قائمة المركز المالي للشركات من الأصول الثابتة التي تخصم من الوعاء الزكوي في النظام الحالي للزكاة والدخل إذا كانت مسجلة باسم الشركة، وبالتالي فإن مبلغ الزكاة قليل نسبياً مقارنة مع الأرباح المحققة.

ولهذا قد أتفق مع بعض المواطنين والكتاب والمحللين وتجار العقار في أن فرض الرسوم على الأراضي البيضاء ليس الحل الوحيد لخفض أسعار السكن، وأتفق معهم أيضاً بحاجة السوق العقاري إلى التصحيح، وكذلك الحاجة إلى المزيد من التسهيلات الاستثمارية لهذا القطاع. ولكن ماذا عن تطبيق نظام حماية المنافسة؟

للأسف الشديد هناك مؤشرات تدل على وجود ممارسات احتكارية في السوق العقاري ووجود اتفاقيات سعرية بين الشركات العقارية، ومع ذلك يتحدث البعض عن آليات السوق (العرض والطلب) والتي تعتبر العوامل المثالية لتحديد الأسعار العادلة للأراضي والمساكن، ولكن للأسف تفقد هذه الآليات تأثيرها على السوق في ظل الاحتكار واتفاقيات تحديد الأسعار!

وما زلت أتساءل: أين دور وزارة التجارة في مجال حماية المنافسة في السوق العقاري؟ وهل أسعار الأراضي والمساكن مبرر حسب العرض والطلب؟ وعندما يجتمع أصحاب شركات العقار علناً وفي الوسائل الإعلامية أليس هذا مخالفاً لنظام حماية المنافسة؟ والذي يعطي مؤشراً قوياً على الاتفاق على تحديد الأسعار! هذا بالإضافة إلى وجود بعض المنازل سيئة السباكة والكهرباء والتي تم بيعها في بعض المخططات السكنية فهل تدخل ضمن الغش التجاري؟

من المعلوم أن سياسة المملكة الاقتصادية قائمة على مبدأ الاقتصاد الحر الذي يترك آلية تحديد الأسعار لعوامل السوق من عرض وطلب وعوامل أخرى مثل التنافس والتضخم أو الكساد ومتغيرات اقتصادية أخرى، وفي السوق الحرة وفي ظل المنافسة القوية لا تستطيع الشركات التجارية ولا العقارية رفع الأسعار ولا القضاء على المنافسة، لأنها لا تستطيع استخدام القوة أو الإجبار في ظل الأنظمة والقوانين.. فماذا يمكنهم فعله إذاً؟.. هو التحايل على الأنظمة والتعليمات.

وهنا ينشأ الدور الرقابي لوزارة التجارة والذي يتمثل في حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ومراقبة ورصد أية ممارسات من شأنها الإخلال بالأنظمة والقوانين، فقد نصت المادة الرابعة من نظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/25) وتاريخ 4 /5 /1425 على أنه "تحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواء أكانت العقود مكتوبة أم شفهية، وصريحة كانت أو ضمنية، إذا كان الهدف من هذه الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت، كذلك يحضر على المنشأة أو المنشآت التي تتمتع بوضع مهيمن، أي ممارسة تحد من المنافسة بين المنشآت، وفقاً للشروط والضوابط المبينة في اللائحة". وبناءً على ما سبق يتعين على وزارة التجارة القيام بإجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات بالنسبة للشكاوى والممارسات المخالفة لأحكام نظام المنافسة في الأسواق العقارية وإحالتها لمجلس حماية المنافسة المنصوص على تشكيله في النظام للقيام بإجراءات الدعوى الجزائية ضد المخالفين، هذا في رأيي مع تطبيق نظام الرسوم سيحد بشكل كبير من ارتفاع أسعار الأراضي والمساكن.