يقول الخبر "رفض طلبات سعوديين لزيارة الأقصى"!، دخلت إلى صفحة التقرير فوجدت تعليقا واحدا فقط، وكان مؤيدا للزيارة! انتظرت إلى آخر الليل، ولكن لم يرتفع الرقم! ليس هذا فقط بل تراجع من ثاني أكثر الأخبار قراءة إلى أن اختفى من الصفحة كليا! توقعت أن مجرد كلمتي "الأقصى وسعوديين" ستحركان الكثيرين للتعليق والمناقشة، ولكن للأسف مر الخبر كغيره من الأخبار عن الأرض المحتلة! كل علامات التعجب لن تفي تصوير مدى الصدمة التي اعترتني ليس من جراء قراءة الخبر بحد ذاته، ولكن أيضا من عدم التفاعل معه! ولكن أليس هذا ما يريده فعلا العدو، أن يتراجع عداؤنا للكيان الصهيوني المغتصب، ويحل محله أعداء جدد من بني جلدتنا! أصبحنا أبطالا في تمزيق بعضنا بعضا طائفيا ومذهبيا وعرقيا، ولم نعد نلتفت للسرطان الذي تسبب بكل ذلك، وهو اليوم يقف فرحا بل يرفع لنا القبعة على كل الأرواح التي نقدمها له عربونا وشاهدا على تحضرنا وإنسانيتنا!
عجيب هذا الزمن حيث وصل الأمر بالكثير منا أن يعد نفسه صديقا للناطق باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، فانظروا إلى عدد متابعيه منا، بل انظروا كيف يلعب على وتر الدين والسلام والتعايش! ولم لا فقد قدمت له بعض القنوات العربية المنبر لكي يدخل إلينا ويُعرّف عن نفسه بحجة موضوعية الرأي والرأي الآخر! فتسلل وبدأ بنثر سمومه لكل من لديه القابلية للتدجين، ولكل من يعتبر الخيانة وجهة نظر! لقد سئمنا من كل من يردد علينا: "باعوا أرضهم"! كيف؟! ألم يشاهد صور الآلاف المهجرين سنة 48؟ هل كل هؤلاء باعوا أراضيهم وخرجوا سعداء إلى العراء، إلى الشتات؟ ألم يسمع بالمذابح ومنها مذبحة دير ياسين؟! ألم يسمع بفرق الهجانة التي روعت الآمنين؛ قتلت ونهبت وهجرّت؟! قد يكون هنالك بعض القصص لمن باع في البداية، وذلك قبل أن تتضح الرؤية بأن الأمر ليس شراء وبيعا، بل اغتصاب وطن! وهم قلة انتبه الزعماء في فلسطين إلى ذلك ونشرت التنبيهات. إن اليهود والفلسطينيين كانوا يسكنون جنبا إلى جنب مع النصارى والمسلمين، والبيع والشراء أمر عادي في أي بلد، ولكن لا نسقط حالات فردية على أبناء وطن بأكمله! ثم يأتيك من يقول: "لقد مللنا من القضية الفلسطينية، فكم دفعنا لهم في صغرنا حين كانوا يمرون علينا بالمدارس كي نتبرع"! يا سلام يا حاتم الطائي يا سلام يا بيل جيتس! فعلا من يسمعكم يظن أنكم تبرعتم بالذهب والفضة وأنتم طلاب وتلامذة مدارس! وكأنكم جئتم من مجتمعات لم تمر عليها المجاعات أو تستلم المساعدات من مجتمعات أخرى، راجعوا التاريخ فكم ظُلم بين أيديكم!
تريدون زيارة الأقصى؟ لم لا... فلنزر الأقصى والقدس مكبلة بسلاسل قوات الاحتلال الصهيونية! ولنزر الأقصى وأهله يُمنَعون عنه، بل يُسمح الدخول إليه فقط حسب شروط وأهواء الكيان الغاصب! ولنزر الأقصى حتى نعطيهم الذريعة بأن القدس لهم وهم لا يمنعون عنها باقي المسلمين أو النصارى لأنهم دولة ديمقراطية متسامحة مع الأديان! لنزر الأقصى ونر كيف ستكون نفسية من تُهدم بيوتهم أمام أعينهم أو يمنعون من العودة إليها، بل لنرى كيف ستكون نفسية من يشاهد حوله المستوطنات تُبنى سواء داخل القدس أو في ضواحيها! تُرى حين نزورها هل سيتوقفون عن ذلك؟ بل هل سيتوقفون عن تدنيس ساحاته الداخلية والتعديات في تزايد؟! ألم يخطر ببالكم أنهم بذلك سيطالبون بقنصليات في الدول العربية والإسلامية لكي تقوم بإجراءات الدخول للسياحة الدينية المتزايدة؟ ألم يخطر ببالكم أنهم قد يختارون ممن يذهب إليهم من ضعاف النفوس من بينكم لتجنيدهم وجعلهم أبواقا لهم من أجل التطبيع الثقافي، وهو أشد وطأة من التطبيع السياسي؟! نشد الرحال للأقصى؟! ممتاز... ومن سيقوم بالتجهيز والتنفيذ للسياحة الدينية في فلسطين المحتلة؟ هل سيتركون كل هذه الأموال التي ستُجنى من هذه السياحة لتتدفق بين أيدي الفلسطينيين وتقوي اقتصادهم؟! وبالطبع ستكون أفضل معاملة وأفضل سكن ومأكل ومواصلات وأمن خلال الزيارات لتعودوا وتشهدوا لهم على حسن المعاملة والترحيب؛ دعاية مجانية وتطبيع ثقافي تدريجي، وشيئا فشيئا وجيلا بعد جيل سيخرج من يقول: "لماذا نعاديهم؟ إن كان باستطاعتنا شد الرحال إلى أحد المساجد الثلاثة بكل أريحية لنُطبّع إذًا ونتصالح ونعيش معا بسلام"! نعم وهم بدورهم وبكل أريحية سوف يتخلون عن أطماعهم في الوطن اليهودي بشعاره المرفوع على الكنيست من النيل إلى الفرات، وسوف يتخلون عن خطط هدم الأقصى وقبة الصخرة لبناء هيكلهم المزعوم مكانه! وكل ذلك لسواد عيونكم، عذرا... خوفا منكم!
بعضهم يقول ندخل ونخرج بورقة مرور دون أن تُدمغ وثيقة السفر الرسمية بختم الكيان الصهيوني، وذلك مثلا من الأردن! يا سلام وكأن المكتب في الأردن يستطيع أن يسمح لك بذلك دون علم العدو أو إذن منه! مباشر أو غير مباشر أنت تتعامل مع العدو فلا نُلبس الأمر أثواب أعذار وحيلا مهترئة! نعم نشد الرحال إلى ثلاث، ولكن قبل ذلك نحرر الأقصى قبل أن نصلي فيه؛ فإما أن نصلي فيه فاتحين أو لا نصلي! لن يحاسبك ربك إن لم تصل بالأقصى، ولكن سيحاسبك إن وضعت يدك في يد من اغتصبه، سيحاسبك ربك حين تدخل الأراضي المحتلة حسب أنظمتهم، وبذلك تكون تدعمهم ولو بطريقة غير مباشرة أو ملتوية، سيحاسبك ربك إن أسهمت حتى بأضيق الحدود بما يؤدي فيما بعد إلى الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني المحتل!
يجب ألا نسمح لأغلى ورقة مؤثرة أن تصبح بين أيديهم؛ وهي التأثير على الرأي العام العالمي الذي بدوره يضغط على حكوماته، فمن الواضح أنه لا يهمهم كل الاتفاقيات التي سبقت لأنهم أصلا لم يتقيدوا ببنودها، بل على العكس زاد التهجير والتعدي (راجع عدد المستوطنات على خارطة فلسطين من أول اتفاقية إلى الآن)! ثم إن قطاعا بأكمله يئن تحت الحصار، وكل فترة يتم العدوان عليه بحجة الدفاع عن النفس! أكرر ما يؤثر هو الرأي العام العالمي، وقد بدأ يوجعهم، ولهذا يعملون ليلا نهارا لاستعادته، وما يؤثر هو التطبيع الثقافي للعرب والمسلمين، وهو ما يسعون إليه وبكل حرفية، فلنتنبّه قبل أن نخسر أجيالنا القادمة وتصبح لعبة بين أيديهم! الصحوة من غفلتنا هي الخطوة الأولى، وإلا فسوف ننتقل من صدمة إلى صدمة، ويقل التأثير إلى أن نُخدّر ومن ثم... تموت فينا النخوة.