تسربت خلال هذا الأسبوع رسالة كتبها 51 دبلوماسياً أميركياً تعارض سياسة الرئيس أوباما في سورية، وتدعو إلى تدخل عسكري محدود لحماية الشعب السوري من بطش النظام، وتعديل ميزان القوى على الأرض بما يكفي للدفع بنظام الأسد إلى التفاوض للوصول إلى حل سلمي.
ومن الواضح أن الإدارة الأميركية منقسمة على نفسها منذ فترة حول سورية، إذ كان ذلك الانقسام أحد أهم أسباب الخلاف بين الرئيس وهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة ومرشحة الرئاسة الأميركية هذا العام، التي كانت وما تزال ترى ضرورة دعم المعارضة السورية بفاعلية، والتدخل لتعديل موازين القوى على الأرض، كما ترى الحاجة إلى فرض منطقة عدم طيران في سورية. وبالمثل استقال روبرت فورد، آخر سفير لأميركا في دمشق من الخدمة بسبب رفض الإدارة الأميركية قبول نصائحه بدعم المعارضة السورية والتدخل بشكل جدي لحماية المدنيين.
ويُشاع في واشنطن أن موقف وزير الخارجية الحالي جون كيري تجاه سورية لا يقل صلابة عن موقف كلينتون، وربما كان ذلك أحد أسباب عدم استيائه من نشر فحوى رسالة الدبلوماسيين المعارضين. فحين سئل يوم الجمعة (17 يونيو)، خلال جولته الأوروبية عن هذه الرسالة، قال: "هذا البيان مهم، وأنا أحترم هذا النوع من الاعتراض جداً جداً، وربما سأقابل هؤلاء الأشخاص، أو أتحدث معهم لدى عودتي".
وليس سرّا أن جون كيري يشعر بالإحباط خلال محاولاته -الفاشلة حتى الآن- التأثيرَ على الوضع في سورية، فبدون التدخل العسكري، أو على الأقل التهديد به، ليس لديه من وسائل الضغط ما يكفي لإقناع الأسد وروسيا بالقبول بالحل السياسي.
ومن الواضح من رسالة الدبلوماسيين المعارضين أن الإحباط في وزارة الخارجية الأميركية قد وصل إلى درجة الغليان، مما حدا بهم إلى استخدام هذه الطريقة غير المألوفة من المعارضة. فوقف إطلاق النار (وقف العمليات القتالية) يبدو أنه انهار تماماً، واستمر الأسد وحلفاؤه في حربهم ضد الشعب السوري، كما رأينا في قصف المستشفيات في حلب وإدلب، واستخدام قنابل البراميل وغاز الكلور. وفي الوقت نفسه، لا توجد مؤشرات مشجعة على التقدم في الحل السياسي في ظل رفض الأسد تقديم أي تنازلات. والأوضاع الإنسانية في تدهور. ومع ذلك، فقد فُرض على هؤلاء الدبلوماسيين أن ينفذوا سياسة بلادهم التي سمحت بتفاقم الأوضاع واستمرار المذبحة التي حصدت حتى الآن نحو 400 ألف سوري وشردت الملايين منهم.
ومن الواضح من رسالة الدبلوماسيين أنهم لا يختلفون مع الإدارة الأميركية حول الهدف الإستراتيجي، وهو الوصول من خلال المفاوضات إلى تسوية سياسية، ولكنهم يختلفون كثيراً مع الإدارة حول الأساليب التي تتبعها لتحقيق ذلك. فالرسالة ترى أنه بدون ضغط أكبر على نظام الأسد، سيكون من المستحيل الحصول منه على التنازلات الضرورية للوصل إلى حل سياسي لإنهاء الحرب. ولذلك تطالب الرسالة الإدارة الأميركية بإعادة النظر في الأدوات التي تستخدمها للتأثير على الأوضاع في سورية.
وعلى الرغم من معارضتهم للسياسة الحالية، فإن هؤلاء الدبلوماسيين معتدلون تماماً، بل إن موقفهم أقل حدة من موقف هيلاري كلينتون، مثلاً، أو حتى من الموقف الذي يُقال إن جون كيري يطالب به في مناقشاته الداخلية مع مجلس الأمن الوطني المسؤول عن سياسة أوباما الحالية نحو سورية. فهم لا يطالبون بغزو عسكري، أو احتلال لأي مناطق في سورية، كما لا يطالبون بحملة مكثفة من القصف الإستراتيجي، بل لا يبدو أنهم يطالبون باستخدام الطائرات الأميركية ضد النظام. كل ما يرغبون فيه هو استخدام الحد الأدنى من القوة العسكرية -مثل الصواريخ بعيدة المدى والطائرات بدون طيار- للضغط على النظام لتخفيف استخدامه لسلاح الطيران لقصف المدنيين وإلقاء البراميل المتفجرة عليهم.
من غير المعتاد أن يسمح لموظفي الدولة بانتقاد سياسة بلادهم وهم ما زالوا على رأس العمل، ولكن وزارة الخارجية الأميركية -وبعض المؤسسات الحكومية الأخرى- تسمح بنوع من المعارضة الموالية، وتُسمّى هذه المعارضة الداخلية في وزارة الخارجية الأميركية بـ"قناة الاعتراض"، وقد تم تأسيسها من قبل الوزارة عام 1971 لإتاحة الفرصة للدبلوماسيين لطرح وجهات نظرهم حين لا تتفق مع رؤية الحكومة الأميركية. ويرى المراقبون أن هذه المعارضة نادراً ما أحدثت تأثيراً على السياسة الفعلية.
وقد يكون ذلك صحيحاً في الماضي، وخلال هذا العام، فالرئيس أوباما يبدو مُصِرّاً على موقفه في عدم التدخل العسكري، والاكتفاء بالضغط الدبلوماسي على الأسد للقبول بالحل السياسي.
لكن وهذه سنة انتخابات، والمرشح الأكثر حظاً في الفوز –هيلاري كلينتون– تتفق مع مغزى هذه الرسالة، فقد يكون لهذه الرسالة حظ أوفر في التأثير على مجريات السياسة الأميركية تجاه سورية بعد تولي كلينتون الرئاسة العام القادم. ولكن كم سينال الشعب السوري من التدمير خلال الأشهر الستة القادمة في حال استمرت سياسة أوباما تجاه سورية إلى حين تولي الرئيس الجديد؟ قياساً على السنوات الخمس الماضية، التي قُتل فيها نحو 400 ألف سوري وشرد الملايين، سيتمكن النظام من قتل عشرات الآلاف من مواطنيه إلى أن تغير أميركا سياستها بعد تنصيب الرئيس الجديد -أو الرئيسة- لأميركا في 20 يناير 2017.