تناقلت صحف محلية الأسبوع الماضي خبرا عن خطة وزارة العمل لتوطين وظائف تستهدف مبيعات السيارات وتأجير السيارات وأسواق الذهب وأسواق الخضار، وذلك ضمن توجه الوزارة لتوفير الوظائف للسعوديين. غردنا عن هذا الخبر متسائلين عن بقية الوظائف المنتجة والتي تسهم في تطوير التنمية والاقتصاد، فأتانا الرد المعتاد "هل تريد البلد كلها أطباء ومهندسين ومخترعين؟" قلنا يا جماعة نحن لا نمانع سعودة الوظائف العادية، ولكن نمانع "عدم توليد الوظائف التي تضيف للتنمية والاقتصاد"، فكيف سنوظف الملايين من شباب وشابات البلد ونحن نستورد السلع والخدمات المتقدمة من الخارج، أنسعود وظائف عادية هنا ونوّلد وظائف متقدمة في الخارج؟

تزامن هذا الخبر في نفس اليوم مع خبر نقلته شبكة الأخبار العالمية BBC عن مهندس بترول سعودي تخرج قبل سنة وشهرين من جامعة الملك سعود ولم يجد وظيفة بعد أن قدم على أكثر من 60 شركة عن طريق الإنترنت، وأكثر من 150 إيميل أرسله لشركات النفط والمتعلقة بالنفط، وحضر جميع معارض التوظيف وجميع المحاولات باءت بالفشل، لم يجد وظيفة. وما إن تناولنا الخبر، حتى سألني في تويتر عميد كلية الهندسة في جامعة الملك سعود عن عدم حصول هذا الشاب على وظيفة، وبعيدا عن وضع الشاب الشخصي ومعدله وعدته بكتابة مقال بهذا الشأن.

كتبنا كثيرا عن عدم توليد الفرص الوظيفية ليس فقط لحصول الشباب والشابات على وظائف، ولكن لكي تستفيد الدولة منهم بعد أن استثمرت بهم في التعليم العام والعالي، واستثمرت على علاجهم منذ الولادة والخدمات العامة الأخرى التي قدمت لهم. السؤال لعدم توليد هذه الفرص يوجه لوزارة التخطيط والاقتصاد ووزارة الطاقة والكهرباء والثروة المعدنية (ووزارة الصناعة والكهرباء سابقا ووزارة التجارة والصناعة سابقا)، باختصار الوزارات المعنية بالبترول والصناعة والتخطيط.

يعمل في شركة أرامكو مهندسو بترول وجيولوجيا وجيوفيزيا في الأعمال الهندسية والتشغيلية، ولكنها تشبعت بهم فهم يقومون على أعمال الاكتشاف والحفر وصيانة الآبار والإنتاج ومعالجة النفط والغاز ونقله وتجهيزه للتصدير، ويعتمد كثير من أعمالهم على برامج البترول والآبار والاكتشاف والأعمال المتعلقة، حيث يوجد في شركة أرامكو مركز كمبيوتر يعد من أكبر مراكز الكمبيوتر في العالم لهذه الأعمال، كما أن أرامكو تستورد برامج عديدة بمئات الملايين من الدولارات للقيام بهذه الأعمال سنويا، فلا عجب أن نستورد البرامج طالما أننا لا نطور القطاع الخاص للقيام بهذه الأعمال، والمسؤول عن هذه الأعمال هو الوزارات المعنية بالبترول والصناعة والتخطيط. لا تسأل عن البطالة طالما أن جميع الشركات المصنعة والمبتكرة والمبرمجة متواجدة في بلدنا ونستخدمها كل يوم، كما أن في منزلك السيارة الألمانية والثلاجة الأميركية والتلفزيون الكوري والهاتف الأميركي والصيني واللابتوب الخواجة، ولكن لا تجد في منازل هؤلاء في دولهم أي صناعة سعودية.

للتوضيح، تطوير هذه البرامج من قبل مبرمجين ومهندسين للبترول والجيولوجيا والجيوفيزيا وأعمال الاكتشاف والحفر والإنتاج تستوعب الكثير والكثير من شباب وشابات الوطن، ونستطيع تصدير هذه المنتجات إلى خارج المملكة والفرصة كبيرة، فتكاد شركات النفط الأميركية جميعها تطور وتستخدم وتصدر هذه الأعمال للدول والشركات التي اختارت أن تبقى طوال عمرها مستهلكة لا منتجة. هذه البرامج كثيرة جدا وكبيرة جدا وتستهلك عمليات كبيرة لمعالجتها في مراكز كمبيوتر ضخمة جدا وتمكن الشركات من قراءة ما هو تحت الأرض بمعلومات تفصيلية عن أنواع الصخور والنفط والغاز وخصائصه من ضغط وحرارة وبقية الخصائص الفيزيائية، وقد رأى الكثير منا صورا لها والتي تمثل لنا مخازن النفط بمعلومات دقيقة وتفصيلية تحت الأرض والشبيهة بالجبال الشامخة.

أيضا، هناك أعمال كبيرة لا تقوم أرامكو بها، بل تتعاقد مع شركات عالمية حضرت للمملكة لهذه الخدمات، فأرامكو والوزارة لا تمتلكان التكنولوجيا للاكتشاف وأعمال السيزميا، بل تستوردها من الخارج وتستورد المعدات والكوادر التي تقوم بها. بالإضافة إلى ذلك، لا تقوم أرامكو على حفر الآبار ولا صيانتها، بل إنها تتعاقد مع أكبر شركات العالم، حيث توجد هنا شركات شلمبرجير وهاليبرتون وبيكر هيوز ووذر فور وشركات صينية وغيرها الكثير ممن يعملون على منصات الحفر، ويصرف على هذه الأعمال المليارات من الدولارات سنويا، وليس الملايين من الدولارات، ولهذا استمرت هذه الشركات لعشرات السنين وأكثر من نصف عقد.