جرت العادة أن تكون العلاقة متوترة بين المؤسسات التجارية والمواطنين، بسبب أن العلاقة بينهما قائمة على أساس المقايضة من أجل الربح، وكل أمر مبني على هذا الأساس يكون في العادة مشوبا بالحذر وعدم الثقة وسوء الظن، خصوصا من الطرف الأضعف في هذه العلاقة، وهو المواطن بالتأكيد، بل حتى الأغنياء يكرهون المؤسسات التجارية، فحين قاومت مؤسسة صناعة الفولاذ جهود الرئيس كندي لفرض الأسعار عام 1962، صرخ الرئيس –وهو ابن أحد أغنى الرجال في أميركا– "أخبرني أبي على الدوام بأن كل المؤسسات التجارية أولاد (......) لكنني لم أصدقه حتى هذا اليوم"، فعندما تغيب الرقابة تفرض هذه المؤسسات شروطها على المواطنين، وتصيغ عقودها بطريقة هي أقرب إلى الإرغام منها إلى التراضي، كما هو حاصل مع بنوكنا التجارية، حيث استعانت بكل ما يساعدها في استخلاص ما في أيدي المواطنين من أموال، بما في ذلك الحيل الشرعية، المتمثلة فيما تمارسه بعض اللجان الشرعية العاملة في هذه البنوك من الانحياز دوما إلى المؤسسات التجارية، من خلال قيامها ببسط الأدلة الشرعية أمام هذه المؤسسات لتختار منها ما تشاء، فلا تكون المعاملة شرعية إلا حين يُضطهد المواطن البسيط لمصلحة البنك، مع أن الدين يقف دوما إلى صف الضعفاء على حساب الأقوياء!.

لن أتحدث في هذا المقال عن كل المؤسسات التجارية، بل سأقصره على البنوك التجارية وتحديدا قضية (الإيجار المنتهي بالتملك)، لأنه يمثل شكلا من أشكال التعسف في تقديم الخدمة والحصول على أكبر قدر من الأرباح، فكل ما في هذه العقود هو في صالح البنوك بتغطية من مؤسسة النقد والهيئات الشرعية، فإنه بالإضافة إلى المبالغة في تحقيق الأرباح من قبل البنوك واشتراط التأمين الشامل على السيارة طوال مدة سريان العقد، وكذلك المغالاة في المصاريف الإدارية التي تأخذها البنوك من عملائها، فهي لا تمنع المواطن من حق التصرف في سيارته فحسب، بل تمنعه من حرية التنقل بها من مكان إلى آخر إلا بعد الحصول على تصريح منها، وكذلك قد تقوم هي من تلقاء نفسها بسحب السيارة في حال تأخر العميل عن سداد بعض الأقساط، دون الحصول على حكم قضائي، أو الرجوع إلى جهة أخرى محايدة تمنحها هذا الحق.

في حال الإيجار المنتهي بالتملك يبقى البنك مالكا للسيارة رغم أن المواطن وحده هو من يتحمل تكاليف الصيانة، والضمان، والتأمين، وثمن العقد، مع أن هذا الأخير عبارة عن ورقة لا تتجاوز قيمتها ريالا واحدا، إلا أن تكلفتها على المواطن قد تتجاوز الـ(2000) ريال تحت بند المصروفات الإدارية! ورغم هذه التكاليف الباهظة إلا أن المواطن لا يمكنه استخدام سيارته بحرية إلا بموجب تفويض بنكي، وقد يتم إرجاعه من الحدود في حال نسيانه تجديد التفويض من البنك، وهو ما حصل ذات مرة لأحد الأصدقاء، حين أبلغه موظف الجمارك أن التفويض قد انتهت صلاحيته، وأنه يأسف منه لعدم السماح له بالسفر دون تفويض جديد، راجيا منه ألا يحرجه في ذلك، حتى لا يتسبب له في مشكلة مع مرجعه، حيث إن البنوك متشددة جدا بهذا الشأن، وهو ما دعاه لأن يعود مرة أخرى من أجل الحصول على تفويض جديد لسيارته والسفر من اليوم التالي!، مع العلم أن بلدانا أخرى مجاورة تقدم بها نفس الخدمة، لكنها لا تفعل أكثر من ختم على استمارة السيارة يفيد بأنها مطلوبة للبنك حتى لا يتمكن المستأجر من بيعها قبل إنهاء عملية السداد، فلا أدري هل ما يقومون به صحيح من الناحية الشرعية أم لا؟! مع أن الناس هناك أيضا مسلمون، يحرصون على أن تكون الخدمات المقدمة لهم شرعية، ولذلك فإن البنوك تحرص أكثر ما تحرص على أسلمة خدماتها حتى لا تخسر عملاءها، كما أن البنوك هناك تخدم المجتمع بشكل أفضل وتسهم في عملية التنمية بوضوح، مع أن التسهيلات المقدمة لها لا تذكر بالنسبة إلى التسهيلات المقدمة للمؤسسات التجارية الممارسة لذات الأنشطة في السعودية، فالبنوك لدينا تأسلمت (100%) فيما هو في صالحها، مثل عدم وجود فائدة على الودائع البنكية خشية الوقوع في الربا! لكن هذا الزهد سرعان ما يتحول إلى حالة من الجشع المحلل لكل شيء ما دام أنه سيزيد من نسبة أرباحها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المأخوذ حلالا أم غير ذلك، فكل شيء أمام إصرار هذه البنوك من الممكن أن يتحول إلى حلال!.