عبدالله ملا
أعتقد أن السبب الرئيس وراء ظهور المنظمات الإرهابية التي نراها اليوم هو "الفوضى" التي تسبب فيها نظام الأسد في سورية والنظام الفاشل في العراق. لم تخرج هذه المنظمات إلى السطح إلا عندما أمعن نظام الأسد في الطغيان، وأمعن النظام في العراق في الفشل، خالقين بذلك فوضى لم يسبق لها مثيل في الشام والعراق، في العصر الحديث على الأقل.
الفوضى هي الشريان الذي يغذي وجود هذه المنظمات الإرهابية. لاحظ الأمير تركي الفيصل هذا الأمر مبكراً، إذ شبه الفوضى وطغيان النظام الأسدي في سورية بالجرح في الجسد الذي تهاجمه أنواع الميكروبات، مسببةً في ذلك الكثير من الأمراض.
لا أقلل هنا من أهمية وخطورة العوامل التي يتناولها النخب والعامة كل يوم. لا أقلل البتة من أهمية المناعة الفكرية والدينية، وأهمية مؤسسات المجتمع المدني، وأهمية الارتقاء بالمستوى العلمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي لمجتمعاتنا. إلا أنني لا أستطيع أن أغض الطرف عن النار التي أشعلت الزيت.
أعتقد أن التقصير في تحقيق ما ذُكر أعلاه هو تماماً ككومة من القش، وأن الفوضى هي شعلة النار التي تسببت في الحريق.
لا يسعفني حالياً للاستدلال على صحة ما أقول إلا نقطتان:
أولاً: لو افترضنا أن اضطراباً ما قد حصل في الولايات المتحدة الأميركية - لا سمح الله - مما أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة، خالقاً بذلك نوعاً من الفوضى. لا أجد صعوبةً ههنا في تخيل الميليشيات بأنواعها الدينية والفكرية آخذةً في التشكل، والمنظمات الإرهابية آخذةً في التمدد! الأمر نفسه ينطبق على دول أوروبا ذات الأغلبية الكاثوليكية أو البروتستانتية أو غير ذلك.
يذكر أن الدول ذات التعدد العرقي والمذهبي والفكري هي أكثر عرضةً للتمنظم الإرهابي والميليشيوي من غيرها من الدول "السادة". على الرغم من أن التنوع العرقي والمذهبي والفكري هو في حقيقته إثراء للدولة والمجتمع، ومصدر قوة وتقدم لها، إلا أنه يكون مصدراً للقلق وبؤرةً للتوتر في الدول الفاشلة.
ثانياً: هذه المنظمات الإرهابية التي نشأت في الشام والعراق لم يكن لها هذا الوجود والقدرة على التأثير الشرير والاستقطاب إلا بعد أن بدأت الفوضى تستشري بسبب طغيان وفشل هذه الأنظمة.
زبدة القول أن التطرف الديني والفكري بشكل عام ليس موجوداً فقط في الدول ذات الأغلبية المسلمة، وإنما هو طبع بشري شرير يشترك فيه السفهاء والجهلة من أتباع كل الأديان والمدارس الفكرية.
لا تتقولب هذه التطرفات في شكل ميليشيات مسلحة أو منظمات إرهابية إلا عندما تكون هناك فوضى، تماماً كالميكروبات والفطريات التي لا تهاجم إلا الجروح الجسدية المفتوحة والملتهبة، والأجسام ذات المناعة الفكرية والدينية الضعيفة، والبنية المؤسسية الهشة!
أخيرا، أنك لا تحتاج إلى جهد استخباراتي مضن لدعم وتمويل منظمة إرهابية ما طالما بقيت الفوضى موجودة.
إنه وعلى الرغم من أن السبب واضح وجلي ولا يخفى على أي عالم سياسة أو اجتماع، أو هذا ما أظن، لا نزال نتعامى عن الفوضى، وأنها سبب رئيس أو السبب الرئيس وراء هذه التفجيرات.