لعل من أغرب ما استمعت إليه في تحليل السيرة الذاتية لمجرم وإرهابي (أورلاندو)، فلوريدا الأميركية، عمر متين، هي تلك الجملة المبتورة التي تقول إن هذا المجرم سبق له زيارة المملكة العربية السعودية مرتين في الفترة ما بين عامي 2011 - 2013. سمعت هذه الجملة من عدة محطات عالمية أميركية وبريطانية شهيرة، وهي نوع من البيع الإعلامي الرخيص لتسويق الفكرة النمطية الكاذبة. هي جملة اعتراضية تقال ضمن سيرة طويلة لتشخيص حالة مثل هذا المجرم وربطها عبر العقل الباطن بشعب وبلد وبثقافة لا علاقة لها ولا لأهله بما فعله هذا المجرم. هي جملة تسطيح لمسألة بالغة التعقيد حول جذور التطرف الديني ومسبباته. ومن يستمع إلى السيل الجارف لمثل هذه الجملة في اجتزاء نقطة من بحر السيرة الذاتية لهذا المجرم الإرهابي قد يظن أن لدينا "إبرة" حقن نشحنها في وريد القادم إلى مطار الملك عبدالعزيز الدولي ثم يعود إلى موطنه، أياً كان هذا الموطن، ليتحول إلى قنبلة وحزام ناسف. هذه نكتة سخيفة وتحليل فكري أسخف.
أولاً، فلا يوجد مسلم على هذه الأرض إلا ويعيش الحلم بزيارة الحرمين الشريفين، فلا يمكن لنا مع كل مجرم أو إرهابي أن ننسب فعله إلى زيارة أو غارة إلى هذه المملكة. ثانيا، تقول إحصائية صحيفة "الإندبندنت" الرصينة أن 70% من مسلمي الغرب بالتحديد ما بين العشرين والخمسين سبق لهم أن ذهبوا للحج والعمرة بسبب القدرة والملاءة المالية، ومن بينهم ستة من أصل العشرة الذين فجروا قطارات مدريد ومترو لندن. ثالثا، وحتى في حالة عمر متين، نفسه، فكل الوقت الذي أمضاه في المملكة، وفي زيارتيه، لا يتعدى مجرد 18 يوما في حالتين للعمرة والحج، فكيف يمكن لهذه المدة القصيرة من حياة فرد أن تحدث فيه كل هذا التحول الإرهابي حتى يتحدث هذا الإعلام الرخيص بجملة مثل: لقد زار السعودية في الماضي مرتين. تقول الإحصائية المدهشة إن ما يقرب من 300 مليون مواطن عالمي زاروا وسكنوا أو عملوا في هذا البلد خلال الخمسين سنة الأخيرة. أكثر من ثلث سكان هذا البلد اليوم لا يحملون جنسيته، وهي أرقام مدهشة قد لا يبزها رقم ديموجرافي بين كل دول الأرض. ومرة أخيرة لا يمكن تحميل هذا البلد أوزار وأفعال كل فرد جاء إليه إلا، ومرة ثانية، إن كانت لدينا حقنة تطعيم "نضربها" في الورك الأيسر مع كل ختم تأشيرة لقادم إلى هذا البلد. هذا هو البلد الذي دعا إلى حوار الأديان فلم يستمع أحد. دعا إلى بناء مركز عالمي لمحاربة الإرهاب فلم ينصت أحد، هو البلد الوحيد الذي حارب الإرهاب حتى قضى عليه تماما، وفوق أرضه، بإستراتيجية محكمة في ظرف ثلاث سنوات فقط. هذا جواب بلدي الذي تعرض لإرهاب دول وتنظيمات عالمية، وباسم كل دين ومذهب ثم خرج إلى بر الأمان.