بعد هذا العمر الطويل نسبيا من العدل والمساواة في الحقوق عرقيا وجنسيا، فإن الولايات المتحدة الأميركية، كما يبدو من المؤشرات المتاحة، متجهة إلى انتخاب امرأة لترأس البلاد.
وكما كان شكل فوز باراك أوباما الأسود بالرئاسة مفاجأة داخلية ودولية وخرقا للمعتاد، فإن الدلالات المتوافرة حاليا تؤكد أن المزاج الأميركي ما زال يرغب في التجديد والتغيير، وذلك بانتخاب السيدة هيلاري كلينتون كأول سيدة تحكم منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية، ويدفع إلى هذا الترجيح أن المنافس المقابل هو الرجل الأخرق دونالد ترامب، وقد كان كافيا في نظر الشعب الأميركي من الذين استمرؤوا حماقات وعنصريات ترامب خلال الأشهر الماضية أن يفوز ترامب كمرشح للحزب الجمهوري فقط، وأن المخاطرة في نظرهم يجب أن تقف عند هذا الحد، وهكذا لا يمكن لها -في ظني- أن تمضي إلى أبعد من ذلك، بل إن من حسن حظ السيدة هيلاري أن ترامب هو منافسها على الفوز، وربما لم يكن لها أن تجد الحظوة نفسها لو كان للحزب الجمهوري منافس آخر غيره.
وبمعنى آخر، فإن هيلاري ماضية للفوز بكرسي الرئاسة، وبدعم واضح من ترامب نفسه، بسبب ما أظهره خلال جولة الترشح من عنصرية، وما أطلقه من تهديدات وألفاظ غير لائقة دبلوماسيا، أفقدته دعم كثير من الأقليات الدينية والعرقية، وكذلك ما أظهره من تخبط في كثير من القضايا الاقتصادية والسياسية، وخسارته الدعم الإعلامي إثر هجومه وسخريته المستمرة من الإعلاميين والصحفيين.
ومن هنا، يرجح فوز هيلاري كأول سيدة بفضل خبرتها السياسية السابقة في مجلس الشيوخ، وبسبب مهاراتها القانونية، هذا إلى جانب أنها زوجة لرئيس سابق.
ولذا، فإن علينا هنا أن نستعد من الآن لجولة رئاسية أخرى مع الحزب الديموقراطي، لكن مع استثناء جديد هذه المرة، وهو أن تكون تقاليد أميركا مختلفة مجددا، فبعد فترة ملونة مع أوباما، فقد ندخل مرحلة مختلفة وغير مسبوقة في العالم الأول بترؤس امرأة للولايات المتحدة للمرة الأولى.
وجدير بالذكر، أن العالم الثالث كان سباقا في هذا الاتجاه، وكلنا نتذكر أن النساء قد تولين الرئاسة في الهند، وفي بنجلاديش وفي باكستان والفلبين وغيرها، فهل يعني ذلك انتكاسة لأميركا وتغيرا في التقليد الأميركي، بما في ذلك التخلي والتنازل شعبيا عن دور شرطي العالم، وبالتالي تنغلق أميركا على نفسها وتلتفت للداخل وتقلص من أدوارها الخارجية؟
الحقيقة، ألا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال حاليا، لكن قد يتضح المردود لاحقا، هذا مع علمنا أن أميركا دولة مؤسسات وبالتالي فهي لا ترتهن في سياساتها وتوجهاتها لتصرفات الرئيس بمفرده، وهو المقيد والمحكوم أصلا بمجالس تشريعية وبرلمانية، وبدستور صامد، لكن التحول الأميركي كما هو الظاهر قد ينبع من التغير في المزاج الشعبي، وهو الكفيل -ربما- بالتغيير فيما بعد.