ما من جديد يمكن قوله تعليقاً على مذبحة أورلاندو التي راح ضحيتها 100 شخص على الأقل بين قتيل وجريح، فكل ما يمكن أن يقال، قيل في أحداث باريس، وتكرر في أحداث أمستردام، وإسطنبول، ويقال كل يوم في سورية والعراق وليبيا واليمن ومصر، وهذه الرواية التي صارت مكررة، وصار كل تفصيل فيها قابلاً للتنبؤ، يبدو أنها ستجعل تهمة الإرهاب تلتصق بالإسلام لزمن طويل، وشيئاً فشيئاً ستجعل العالم يرى أن كل إرهابي مسلم وكل مسلم إرهابي!

ومسارعة تنظيم "داعش" لتبني العملية بقوله إن منفذ الهجوم مقاتل في الدولة الإسلامية، يسهم في تعزيز هذا الربط، وجعله التصاقاً أبدياً، رغم أن تحقيقات الشرطة الأميركية لم تثبت ارتباطاً واضحاً بين منفذ الهجوم وبين تنظيم داعش، والمعلومات المتوفرة عنه تقول إنه غير متشدد، وزوجته السابقة قالت إنه عنيف ومختلف عاطفياً ونفسياً، لكنها لم تلمس لديه ميولاً متشددة، وقالت إنه كان يحب الحياة والمرح، وبنفس الوقت كان يؤدي الصلوات الإسلامية.

الجديد هذه المرة أن بعض الناس الأقل تطرفاً تقبلوا ارتكاب المذبحة، ولم يدينوا القاتل بشكل واضح، وربما دافع بعضهم عنه بشكل واضح أو خفي، والسبب هو أن المذبحة ارتكبت في ملهى ليلي يرتاده المثليون في فلوريدا، والمثليون "يحل قتلهم" في نظر شريحة واسعة من الناس خصوصاً في الدول الإسلامية، وحتى لدى شرائح من المجتمعات الغربية والمجتمع الأميركي نفسه.

ردود الفعل الدولية على هذه المذبحة تغاضت عن هذا العامل، فبيان مجلس الأمن الذي أدان المذبحة صوتت عليه دول تحرم قوانينها المثلية وتعاقب مرتكبيها بأشد العقوبات، وقد جاءت فيه بوضوح عبارة (قتل أشخاص بسبب ميولهم الجنسية)، أمّا فيديريكو لومباردي المتحدث باسم بابا الفاتيكان قال: "المجزرة الرهيبة التي حصلت في أورلاندو وراح ضحيتها أبرياء كثيرون، أثارت لدى البابا فرنسيس، ولدى كل واحد منا، مشاعر عميقة جدا من الاشمئزاز والاستنكار والألم والقلق جرّاء المظهر الجديد لجنون قاتل وكراهية غير معقولة". وغير خافٍ على أحد موقف الكنيسة البابوية من المثلية والمثليين، لكن بشاعة القتل جعلتها تتغاضى عن الميول الجنسية للضحايا.

وحتى منظمة التعاون الإسلامي تعاملت مع الحادثة بدقة شديدة، وطالبت السلطات الأميركية بعدم استخدام الاعتداء منصة لإصدار الأحكام المسبقة أو استغلالها في حملة التشويه الإعلامي المستمرة ضد المسلمين، مشددة على ضرورة الانتظار إلى حين استكمال التحقيق الرسمي لمعرفة حقيقة الاعتداء. وإنه يجب عدم إخراج الحادث من سياقه، كونه شأنا أميركياً محلياً، أو القفز إلى تكهنات وربطه بأجندات سياسية تنعكس بالسلب على المسلمين والصورة الحقيقية للإسلام الذي يحرم قتل النفس البشرية ويفرض عقوبات صارمة عليه. وأشارت المنظمة إلى أن تعاليم الإسلام تعد الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره جريمة ضد الإنسانية.

الدالاي لاما الزعيم الروحي للتيبت وصف المذبحة بأنها فاجعة خطيرة للغاية، وانبرى للدفاع عن المسلمين قائلاً: "في كل طائفة دينية بما في ذلك البوذية هناك بعض الأشرار، لكن لا يمكنك التعميم.. قد ينفّذ بعض المسلمين نشاطات إرهابية، لكن من الأفضل ألاّ نقول إنهم إرهابيون مسلمون، أعتقد أن هذا خطأ".

أيضاً من خصوصيات هذه المذبحة أنها جاءت في ذروة السباق الانتخابي باتجاه البيت الأبيض، فتحولت بشكل تلقائي لمجال للتنافس بين المرشحين الحاصلين حديثاً على ترشيح حزبيهما إلى الرئاسة الأميركية، فدونالد ترامب المرشح الجمهوري، استغل الحادثة ليثبت وجهة نظره المثيرة للجدل والتي تتلخص بعدائه المطلق لكل ما يمت للإسلام بصلة، وهو الذي قال سابقاً إنه سيمنع دخول المسلمين للولايات المتحدة، بينما استغلت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون المناسبة لتجدد الحديث عن مشروع ديموقراطي قديم يتعلق بتقييد حرية امتلاك السلاح في الولايات المتحدة.

وخصوصية أن النادي الذي وقعت فيه المذبحة مخصص للمثليين، حرفت الانشغال الدولي هذه المرة عن التركيز على الإسلام والمسلمين، ففي كثير من البيانات والتقارير الإعلامية بدا الأمر وكأن طبيعة المكان والهوية الجنسية للضحايا هي مربط الفرس، بينما أثبتت وقائع السنوات الثلاث الماضية أن تنظيم داعش يمكن أن يرتكب مجزرة أفظع وأكبر بحق أشخاص لأنهم يبيعون الخضار في منبج، أو لأنهم يشغلون التلفزيون في الرقة، أو لأنهم يأكلون المعلبات في سرت، أو يحبون الحسين في الموصل!.