حين يشتد الجدال بين اثنين فيقول أحدهما للآخر "يا أخي اذكر الله"، فيقول الآخر "لا إله إلا الله" ثم يعود الجدال بينهما كما كان دون أي تغيير. لأنهما لم يذكرا الله حقا.

في القرآن يرد (ذكر الله) و(ذكر اسم الله).

يرد ذكْر اسم الله في القرآن مقترنا بأماكن العبادة حيث يرفع اسمه "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" وبالشعائر والذبائح "َكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ" فعملية الذبح والأكل إنما هي له وتتم باسمه لأنها بتفويض منه.

أما "ذكر الله" فهو معنى مختلف وهو موضوع هذه السطور.

ذكر الله شيء آخر غير ترديد اسمه، هو شيء آخر غير الصلاة وغير العبادات الأخرى، فالصلاة نفسها وسيلة لذكر الله "إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي". ومع أن الصلاة وسيلة للذكر فإن ذكر الله لا ينتهي بانتهاء الصلاة وإنما يستمر خارجها: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". ويقول "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ".

ذكْر الله تعالى هو محاولة ملء النفس، كل حين، بمعاني عظمته وجلاله وقدرته واستحضار رقابته فينا وعلمه بنا وفضله علينا، أن يحاول كل فرد منا لوحده، وبصمت، استشعار وجود الله فيه وفي كل ما حوله. اللحظة التي لا نحاول فيها ذلك هي لحظة غفلة "وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ".

ذكْر الله هو أن نحاول الانشغال بالله قدر استطاعتنا. لا يمكن للمرء أن يتحرى في قوله وعمله، العدل والحق والصدق وأن يتجنب ما يغضب الله إلا إذا استحضر في داخل نفسه معاني عظمة الله تعالى وملأ بها نفسه.

"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" وهم لن يكونوا كذلك إلا إذا كانوا يشعرون أن الله شهيد عليهم وأنهم شهداء لله ولو على أنفسهم، هم الذين صلاتهم ونسكهم ومحياهم ومماتهم لله.

ليست المشكلة في الغفلة عن ملء شعورنا بالله فنحن بشر ونضعف كثيرا وإنما في استمرار الغفلة للدرجة التي لا نرى فيها معاني الله، فلا نميز فيها بين حق وباطل ولا بين ظلم وعدل ولا بين فساد وصلاح، حين نعرض عن ذكر الله فمعيشتنا ضنكٌ ونحشر يوم القيامة عُمْياً.

كان الكفار يتقدمون بأسئلة لا قيمة لها في قبولهم أو رفضهم لدعوة النبي عليه السلام، ومنها سؤالهم عن أهل الكهف وعددهم ومدة رقادهم، وكان هو يعدهم بالجواب غدا أو بعد غد، ونزلت سورة الكهف تقص نبأهم بالحق، وقبل نهاية القصة يوجه الله تعالى نصيحة للنبي هي: "وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًاً إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ، وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ، وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا" فمهمة النبي هي إبلاغ رسالة الله للناس وليس العكس، فالله أجلّ من أن يعد أحدٌ باسمه وعداً، وعلى النبيّ أن "يذكر" ربّه إذا نسي وأن يدعو الله ليكون أقرب رشدا. هذا وهو النبيّ، فكيف بغيره.

نحن أيضا يمكننا أن نقول عسى أن يهدينا ربنا لأقرب من هذا رشدا، يمكننا أن نبذل محاولاتنا في الشعور بالله تعالى، لنكون قريبين ممن إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وقريبين ممن "إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ (ذَكَرُواْ اللَّهَ) فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ"، ذكر الله أمر آخر غير الاستغفار.

أختم السطور بقوله تعالى "اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ، وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر".

ذكر الله هو الأكبر، وهو أمر آخر غير ترديد اسمه، ذكر الله هو محاولات فردية صامتة داخل النفس للامتلاء بالشعور بالله تعالى.

أن نبذل جهدنا في ذكر الله فهذا يعني استنهاض كل طاقات الخير فينا.

تقبل الله صالح أعمالكم.