منذ تسلم الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، بان كي مون، مهام منصبه، ودور المنظمة الدولية يتراجع يوما بعد الآخر، حتى باتت عاجزة عن اتخاذ أي قرار فعلي، ينزع فتيل الأزمات المتصاعدة، لا سيما في الشرق الأوسط، ففي عهده تفاقمت أزمة العراق، واندلعت الأزمة السورية، وشهد اليمن الانقلاب المشؤوم الذي قامت به ميليشيات الحوثيين الإرهابية وحليفها المخلوع علي عبدالله صالح، وعاش لبنان سنتين كاملتين بدون رئيس. إضافة إلى ظهور تنظيم داعش الإرهابي، الذي لم يكن معروفا قبل أقل من 4 أعوام. وشهد العالم مأساة المسلمين الروهينجا في بورما، واندلعت أزمة أوكرانيا وقيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضم شبه جزيرة القرم إلى بلاده، في قرار أحادي، لم يجد من يقف في وجهه أو يوقفه، بسبب ضعف المرجعية الدولية. وشهد العالم كذلك تفاقم مأساة اللاجئين الذين اضطرتهم ظروف بلادهم إلى الفرار من الموت، وركوب أمواج البحر الهائجة، لا زاد لهم سوى الرغبة في النجاة بأنفسهم من الموت الذي يلاحقهم من كل جانب، فابتلع منهم عشرات الآلاف، ووقف الباقون يطرقون أبواب الدول الأوروبية في يأس بالغ، بعد أن أوصدت أمامهم الأبواب، وأغلقت الحدود، وباتوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء. ولم يهتم كذلك بتجاوزات الكيان الصهيوني وتسريع وتيرة الاستيطان وطرد الفلسطينيين من منازلهم، واغتصاب الأراضي، وقتل النساء والأطفال والشباب بذرائع واهية.

كل تلك المآسي والكوارث لم تهز شعرة في رأس الأمين العام للمنظمة الدولية، ولم تدفعه للتخلي عن سلبيته والعمل على حل الأزمات المتفاقمة في العالم، كما يقتضي منصبه، وبات يعيش في جزيرة معزولة، لا سلاح بيده سوى الشجب والاستنكار، والإعراب عن القلق الذي ما أطعم طفلا جائعا، ولا هدأ روع امرأة وحيدة، ساقتها الأقدار إلى الهرب من بلادها.

اكتفى مون بالتفرج على ميليشيات الحشد الشعبي في العراق وهي تسوم النازحين الأبرياء سياط العذاب، تقتل من تشاء منهم، وتطرد من تشاء من منازلهم، وتصادر أموالهم، لم يكترث بإرهاب داعش الذي جز أعناق الأبرياء، مسلمين ومسيحيين، يفجرون المساجد ويروعون الآمنين، ويختطفون النساء سبايا يبيعونهن في أسواق النخاسة. لم يجد أمين عام أكبر منظمة دولية ما يشكم به عدوان الأسد، الذي لم يترك وسيلة يقتل بها شعبه إلا استخدمها بدءا من الخطف والتعذيب والقتل بالصواريخ والطائرات والبراميل المتفجرة، وصولا إلى السلاح الكيماوي المحرم الذي وجهه في صدور وقلوب الأطفال الأبرياء في غوطة دمشق الشرقية، فقتل منهم في ساعات معدودات الآلاف. حتى إيران التي تقف وراء كل أزمات المنطقة، بتدخلاتها السالبة وإشعالها نيران الفتن الطائفية، وتمويلها الإرهابيين بالسلاح، ودعمها للنظام السوري المارق على الشرعية الدولية، ودعمه بالمرتزقة والمال والسلاح، وتكوينها للميليشيات الطائفية الإرهابية في العراق ولبنان، ومحاولاتها التدخل في شؤون البحرين والمملكة. ورغم كل ذلك لم يتحرك المسؤول الدولي لوقف هذا العبث، وهو الذي يحتفظ في يديه بالعديد من الأوراق التي كان بإمكانه استخدامها بفعالية وقوة، لكنه أهملها حتى صدئت وفقدت عناصر قوتها وسلبتها منه دول كبرى، أدمنت التدخل في شؤون الدول الأخرى، تحقيقا لمصالحها وأهدافها.

كل هذه الكيانات المارقة لم تكن لتمتلك القوة لارتكاب كل هذه التجاوزات، لولا الضعف الذي ابتليت به الأمم المتحدة، فعاثت في الأرض فسادا، ولم تكترث لصيحات بان كي مون الواهية، ولم تلتفت لمناشداته الضعيفة، واستنكاره الخجول، وشجبه الفارغ من كل محتوى ومضمون.

وإضافة إلى الضعف والهوان، فإن من أكبر مساوئ المسؤول الدولي التناقض الواضح والتباين في المواقف، وعدم الثبات على مبدأ أو رأي، فمن يشيد به اليوم يعود في الغد القريب لانتقاده، ومن يوجه إليه عبارات المدح، سرعان ما يعود ويسلقه بألسنة حداد، استجابة لضغوط يمارسها عليه طرف مقابل، حتى باتت كلماته لا تجد آذانا صاغية، وأصبحت بيانات المنظمة الأممية العريقة مجرد حبر على ورق، لا يرهق الآخرون أنفسهم حتى في قراءتها أو تحليل بياناتها.

الغريب في سلوك المسؤول الدولي الضعيف أنه لم يجد من ينتقد سوى المملكة العربية السعودية التي وقفت بجواره ودعمته، ولم تترك وسيلة للتبرع للمنظمات الدولية إلا انتهزتها، ولم تضع فرصة للإسهام للمنظمات الداعمة العاملة تحت لواء منظمته إلا وكانت أكبر المبادرين لدعمها، لدرجة أن المملكة كانت السبب وراء إنشاء عدد من تلك المنظمات وتوفير الدعم الكامل لها، فهي التي تقف وراء تأسيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وتبرعت بكامل ميزانيته، وعند اندلاع الأزمة اليمنية سارعت إلى إعلان تبرعها بمليار ريال لدعم الأعمال الخيرية في اليمن، ليس هذا فحسب، بل قامت بتسليم المبلغ نقدا للمنظمة الدولية للإشراف على استغلاله في دعم الأعمال الخيرية، بعد أن أدركت مقدار الوهن الذي أصاب الأمم المتحدة، وجعلها عاجزة عن استقطاب الدعم، وهذه لفتة رائعة تستحق عليها المملكة الإشادة، فقد كان بمقدورها أن توزع تلك المساعدات بنفسها، دون الحاجة إلى دعم خارجي، لكنها أرادت حفظ ماء المنظمة الدولية، ومساعدتها على استعادة بريقها الذي خبا.

وأمام تزايد تراجع الأمم المتحدة في عهد قيادتها الحالية، بادرت المملكة إلى إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي بات أكبر معالم الخير والإنسانية، حيث يوزع مساعداته على أسس واضحة، في مقدمتها مبادئ الدين الحنيف، وقواعد الإنسانية المحضة، دون مراعاة لأي حسابات مناطقية أو مذهبية، وأكبر دليل على ذلك قوافل المساعدات الأخيرة التي وصلت صعدة، معقل التمرد ومسقط رأس قائده.

وتأتي السقطة الأخيرة التي وقع فيها مون، عندما أدرج اسم التحالف العربي على قائمته السوداء، وعندما واجهته دول الخليج بخطئه وسوء تقديره، وفساد موظفيه الذين وضعهم على رأس منظماته الإنسانية هناك، سارع إلى الاعتذار والتراجع عن ذلك الخطأ، وليته اكتفى بذلك بل عاد بعد يومين، لأنه لم يستوعب فضيلة الرجوع عن الخطأ، واتهم المملكة بأنها مارست عليه ضغوطا مشددة، ومع أن ذلك لم يحدث وفق ما أكده مندوب المملكة، السفير عبدالله المعلمي، إلا أنه يكفي لوصمه بالضعف والهوان، فعاد يجتر أكاذيبه وتبريراته الواهية، ولسان حاله يردد قول الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام.