أبو الطلاقات، شخصية حقيقية قصها عليّ زميلي الأردني – الفلسطيني. أما سبب تسميته بـ"أبو الطلاقات" فيعود إلى أن من حوله قد اعتادوا عليه، أن يردد هذه الجملة في كل مرة يدخل فيها بنقاش، سواء أكان ذلك النقاش مهما أو أنه من تلك النقاشات المطاطة التي لا تثمر بلحا أو عنبا، فكان يقول أبو الطلاقات أمام كل الحاضرين بعصبيته التي اشتهر بها "عليّ الطلاق من زكية"، أما من هي زكية، فبالتأكيد لا يمكن لنا إلا أن نفهم بأنها زوجة "أبو الطلاقات" الذي استهان كثيرا بزكية، زوجته، ولم يكن يتعاطى معها الحياة كما يجب على الرجل أن يكون مع أهل بيته وداره، ولهذا كانت كالبصقة في فمه، كلما أراد أن يستولي على الحقيقة في أية حكاية أو نقاش، فإنه يزج باسم زكية زوجته وينزل التهديد بطلاقها، حتى بات الناس يخشون النقاش معه، خوفا من أن تصيب زكية المسكينة طلقة، فيتشتت البيت العامر، وإن كان عامرا بعصبية "أبو الطلاقات" الذي كان لا يتردد حينما يرى زكية تحمل الفاكهة وتسير في أمان الله في طرقات القرية، أن يصيبه غضب من دون مبرر، فيلاحقها بسيارته ويطاردها وكأنه واحد من رجال عصابات المافيا، فيحاوطها، وينزل ليمزق وجهها بكفوف حارقة، حتى تتناثر الفاكهة على الأرض، ويقف الناس صامتين أمام هذا المشهد، وهم يجدون "أبو الطلاقات"، "يجر" زكية إلى السيارة، لينفجر فيها غضبا، ويطلق لسانه المفلوت، وهو لا يزال يضرب المسكينة، بينما تتدحرج فاكهتها على الأرض الرطبة ببطء، منتظرة أحدا ما يأتي ليجمعها.
وذات مرة، قرر أبو الطلاقات أن يستأجر عددا من العمال ليقوموا بتنظيف مزرعته مما سقط من الأشجار ميتا، ومخلفا قاذورات، وعليه أن يقوم بتنظيف المكان، وتهذيب الأشجار ورشها بالمبيدات كما يجب، بعد ساعتين عاد أبو الطلاقات إلى داره، وقد حمل في ثوبه عددا من الأحجبة، وهي عُوذة أو تميمة يحملها الشخص معه لتقيه من الشر والحسد، أو لدفع أحدهم على محبته، رمى أبو الطلاقات الأحجبة العديدة التي وجدها العمال تحت بعض الأشجار، أو معلقة بين الأغصان، وقد فهم أن زكية كانت تزور المشعوذين ليقوموا بعمل الأحجبة لدفع "أبو الطلاقات" لمحبتها، أو حتى عدم ضربها في الشارع كما اعتاد، أو لربما ليكف عن بصقها كلما دخل في نقاش حاد مع أصدقائه، بدلا من القسم أو الحلف بالله، فقد كان يجد أن طلاق زكية أهون عليه من كل شيء، وبعد أن رمى الأحجبة أمام زكية قال لها:
"يا حرمة لو أنك رحتي اشتريتي بفلوسهم قماش وأساور من ذهب ما كان أحسن لك!"، كدليل على أنه لن يتغير حتى لو علقت زكية ألف حجاب على الشجرة، فسيبقى أبو الطلاقات كما هو، رجل عصبي وحاد المزاج، لذا، كان على ما يبدو متفهما لما يحدث لزكية من مشاعر مختلفة، حتى أنه أشار عليها بدلا من صرف النقود على زيارة المشعوذين، أن تبقي فلوسها لشراء الملابس والذهب، فذلك أفضل وأبقى لها.
بالتأكيد لأني امرأة تأثرت كثيرا بقصة "أبو الطلاقات"، وتعاطفت مع زكية لأنها نموذج ليس موجودا في الأردن أو في الوطن العربي فقط، إنما هذا النموذج يمكنك أن تراه حول العالم، المرأة التي تتعرض للإهانة والضرب والاغتصاب المتكرر دون أن يكون هناك قانون صارم، كما يحدث في الهند، بات أمرا غير مستغرب، ولا يمكنك أن تشعر بالدهشة مما يحدث للمرأة حول العالم، من إهانة وذل وفقر مدقع، إلى منع عن التعليم، أو حتى عضل عن الزواج كما يحدث في مجتمعنا.
وحدها ملالا يوسفزي الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2014 حيال مواقفها لتعليم البنات، كانت أكثر فتيات باكستان حظا، فقد كتبت في مذكراتها أنها حينما ولدت أشفق الناس في القرية على أمها، فيما لم يهنئ أحد والدها.
ملالا ولدت في أرض تطلق الرصاص ابتهاجا بمولد الذكور، أما البنات فيوارين عن الأنظار وراء الحجب، فدورهن في الحياة لا يتعدى إعداد الطعام وإنجاب الأطفال، لكن والد ملالا السيد يوسفزي، ما إن نظر في عينيها حتى وقع في حبها، وبلغ به الأمر أن طلب من أصدقائه أن يلقوا بالفاكهة المجففة والحلوى والنقوى في مهدها، وهو شيء لا تفعله قبيلة البشتون عادة إلا مع الذكور، لهذا استطاعت ملالا أن تغير عالم الفتيات في قريتها، ويصبح اسمها أشهر من نار على علم، والفضل بعد الله يعود إلى ثقة والدها بها، ولتحمد الله ملالا أن "أبو الطلاقات" لم يكن يوما ما والدها، وإلا لرأت العجب العجاب، والنجوم في عز النهار.
إنني على الدوام مؤمنة أن خلف كل فتاة أو امرأة ناجحة أب أو زوج يحترم المرأة، ويعي جيدا حقوقها المركزية من دون تطبيل أو صراخ، إنما هو يقوم على تطبيق ما تستحقه المرأة من وجود وقيم وحقوق خاص بها.