خلال اجتماعه في 19 يناير الماضي بممثلين عن المؤتمر اليهودي الأوروبي، وفي مقدمتهم رئيس المؤتمر فياتشيسلاف كانتور الذي اشتكى من تنامي نزعات معاداة السامية في أوروبا، وجه الرئيس الروسي إلى يهود القارة العجوز دعوة للانتقال إلى روسيا. وتحديداً إلى مقاطعة بيروبيجان الواقعة في الشرق الأقصى الروسي، ذات الحكم الذاتي منذ عام 1934. والتي أيد حاكمها ألكسندر ليفنتال اقتراح الرئيس بوتين قائلا: "مستعدون لقبول جميع اليهود الذين سبق لهم أن انتقلوا إلى دول أخرى لأسباب شتى. إننا مستعدون لاستقبال جميع أولئك الذين يريدون العودة إلى ربوع الوطن أو الانتقال ليعيشوا هناك. وسنستقبل بلا شك اليهود من الدول الأوروبية، حيث من غير المستبعد تعرضهم لاعتداءات من قبل متطرفين معادين للسامية".
وصدر من الإدارة الروسية في القرم دعوات موجهة إلى يهود أوروبا للعيش والاستثمار مثل: "تعالوا إلى روسيا، هنا لا عداء للسامية مثل أوروبا البغيضة".
ويبلغ عدد أبناء الديانة اليهودية في القارة الأوروبية نحو 1134000نسمة، وأكبر تجمع لهم في فرنسا- 478 ألف نسمة، ثم المملكة المتحدة 290 ألفا، وألمانيا 118 ألفا، وهنغاريا 48 ألفا، وفي باقي الدول 200 ألف.
وحسب دراسة أجرتها وكالة الحقوق الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي بمناسبة الذكرى 75 لليلة البلور في ألمانيا النازية، وتعرف ليلة البلور أيضا باسم ليلة الزجاج المكسور. حيث دمرت الآلاف من المحلات اليهودية، وأحرقت العديد من الكنس، ونقل 30 ألف يهودي إلى معسكرات الاعتقال- ارتفعت نسبة المعاداة للسامية، وعدم شعور يهود أوروبا بالأمان. وصنفت هنجاريا، فرنسا وبلجيكا بأنها الدول الأكثر معاداة للسامية من بين الدول الأوروبية. وفي لاتفيا، فقط 8 % يشعرون بأن الصراع العربي الإسرائيلي له تأثير كبير عليهم. ولكن الرقم ارتفع إلى 28 % في ألمانيا و73 % في فرنسا، ويرجع ذلك إلى ظاهرة الهجرة التي شهدتها هاتان الدولتان في السنوات الأخيرة. ووفقا للدراسة، فإن نحو ثلث اليهود الذين شملهم استطلاع رأي، تضمنته الدراسة، في كل من السويد وفرنسا قالوا إنهم لن يضعوا نجمة داود ولن يقوموا بأي شيء من شأنه أن يشير إلى يهوديتهم. والسؤال الذي ينبغي طرحه هو لماذا لا يوجه بوتين دعوة مماثلة لما يزيد على مليون يهودي غادروا قبل ربع قرن من زمن الاتحاد السوفيتي السابق، واستوطنوا في فلسطين المحتلة وفي الجولان السوري المحتل؟
تتوافر معطيات وحقائق أن اليهود الروس في إسرائيل يعيشون في ضائقة. إذ إنه لم يتم قبول الكثير من الروس الذين جاؤوا إلى إسرائيل بسهولة كبيرة. وأحدثت الهجرة الجماعية أزمة سكنية حادّة، وأصبحت القصة المتكررة عن أطباء وعلماء روس، هاجروا إلى إسرائيل واضطروا إلى كسب الرزق من العمل بالتنظيف، رمزا لهؤلاء السكان. وسكن الكثير من المهاجرين في أحياء فقيرة بمدن بعيدة عن المركز. ويضاف إلى ما سبق، أن المؤسسة الدينية في إسرائيل (الحاخامية) شككت في يهوديتهم وزعمت أن أكثر من ثلث القادمين من الاتحاد السوفيتي السابق ليسوا يهودا حقيقيين. وذلك على خلفية عقود من الزواج المختلط بين اليهود والمسيحيين في الاتّحاد السوفيتي. ويبدو أن يهود الاتحاد السوفيتي السابق، انتقلوا إلى "جيتو روسي" أو "روسيا الصغيرة" في إسرائيل، حيث يصنفون كمجموعة سكانية روسية فرعية منفصلة، لديها آلياتها الخاصة، وقوانينها، ووسائل إعلام خاصة بها. وفيها يزداد معدّل التورّط في الجريمة في أوساط الشباب من الجيل الثاني من المهاجرين من الاتحاد السوفيتي سابقا بشكل أكبر نسبيًّا من نفس المعدّل لدى عموم أقرانهم من الإسرائيليين، بالإضافة إلى ارتفاع معدّل الأطفال المهاجرين من الاتحاد السوفيتي سابقا الذين يتركون المدارس. وأظهر بحث يستند إلى استطلاعات عديدة، أن المهاجرين الروس مستمرون في العيش في مجتمعات منغلقة يحافظون فيها على لغتهم وعاداتهم التي كانت قائمة في أوطانهم الأصلية. وفي بحث آخر لمركز الأبحاث في الكنيست أن ثلث المنتحرين في السنوات الأخيرة في إسرائيل هم من المهاجرين، وهذا كله يعبّر عن ضيق حياتهم الجديدة، في حين دلّت معطيات سابقة على أن 12% من المهاجرين من الدول السوفيتية السابقة عادوا إلى وطنهم الأصلي. وبالعودة إلى السؤال المطروح أعلاه، يبدو أن توطين يهود أوروبا في روسيا يلبي مصلحة اقتصادية روسية في المقام الأول، بينما العمل على رفع معدلات عودة اليهود الروس من إسرائيل إلى روسيا يشكل عبئاً على الكرملين!.