نشرت صحافتنا المحلية تغطية لحلقة النقاش التي نظمها كرسي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحسبة وتطبيقاتها المعاصرة، بجامعة الملك سعود، بحضور عدد من مسؤولي الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعض القيادات الصحفية وأساتذة الإعلام، لمناقشة الفجوة القائمة بين الرئاسة العامة لهيئة الأمر والمعروف والصحافة المحلية، والتي صرح فيها المتحدث باسم الرئاسة العامة للهيئة الدكتور عبدالمحسن بن عبدالرحمن القفاري وأمام الحضور وعلانية بقوله إنه "لو لم نتشدد (الهيئة) في الخلوة لتعبنا (كمجتمع سعودي) من اللقطاء!". وهو بهذا التصريح يدين عياناً وبياناً، مجتمعنا بالعهر والتفسخ أو سهولة الوقوع بهما، حيث لا حصانة له (لمجتمعنا)، من أن ينتشر فيه اللقطاء؛ إلا تشدد أفراد الهيئة الميدانيين الأشاوس، الذين هم حصانة المجتمع من الانفلات والوقوع في المحظور الشرعي والعرفي الاجتماعي. أي بأن مجتمعنا، على حسب تصريح الناطق الرسمي باسم الهيئة، يستحق كل ما يتعرض له من تشدد وقسوة ومطاردة ومداهمة وتحقيق وضرب وحرب وإهانة، من أفراده الميدانيين لحمايته من التعب من اللقطاء، وكل ذلك يستحق منا كمجتمع التضحية بكراماتنا كبشر وحقوقنا التي كفلتها لنا الشريعة ونظام الحكم، من أجل ألا نتعب من اللقطاء، الذين سينتشرون على أرصفة مدننا كالنمل المبثوث. بل يجب أن نشكرهم وندعو لهم بجزيل الشكر والمثوبة من رب العالمين الذي سخرهم لنا للأخذ بأيادينا، ونحن المجتمع القابل للوقوع بفاحشة الزنا في أي لحظة، لدرجة التعب من اللقطاء.
ما صرح به الناطق الرسمي باسم الرئاسة العامة للهيئة، لم يصدر من فرد أو عدد قليل جداً من أفراد الهيئة الميدانيين، الذين دوماً يحلو للهيئة أو المدافعين عنها، برمي تجاوزات وتشدد الهيئة عليهم. أي تبين من تصريح الناطق الرسمي الدكتور القفاري، أن التشدد سمة من سمات الأوامر التي تصدر من قيادة الهيئة لأفرادها الميدانيين لمراقبة الناس ومتابعتهم؛ حماية لهم من الوقوع بجرم فاحشة الزنا والتعب من اللقطاء! ويبدو أن هذه هي الاستراتيجية المرسومة للهيئة من أعلى سلطاتها، وسنأخذها كذلك، وعلى محمل الجد، حيث صرح بها أعلى متحدث رسمي باسم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبمحفل رسمي؛ ما لم يصدر منه اعتذار لمجتمعنا، لا يقبل التأويل غير الاعتذار، عما صدر عنه، وحينها قد نقبل عذره، ونأخذ ما صرح به، على أنه زلة لسان. أو بيان من الرئاسة العامة ينفي بأن ما صرح به ناطقها الرسمي، يعبر عن سياستها العامة أو الخاصة، والتي تنبذ التشدد في تطبيق أنظمتها على الناس، وبأن مجتمعنا هو مجتمع مسلم عربي لا يمكن أن ينتشر به الزنا، لدرجة التعب من اللقطاء.
يبدو أن بعض مسؤولي جهاز الهيئة، ليس لديهم الثقة الكافية، بأن جهازهم هو جزء من الدولة. ولذلك يقعون في كثير من الأخطاء والمحظورات وهم يبررون لأهمية وجود جهاز الهيئة في المجتمع. فمنهم من يقول إنه لولا وجود الجهاز لانتشر الفساد في المجتمع، ومنهم من قال، لولا ـ ليس فقط وجود الجهاز ـ ، ولكن لولا تشدده في مراقبة المجتمع، لتعب من كثرة اللقطاء فيه! وما شابه ذلك من تبريرات، تكون أسوأ من الأخطاء التي يريدون تبريرها. ومع ذلك فليس من مسؤولية مسؤولي الهيئة التبرير لشرعية وجود جهازهم ضمن أجهزة الدولة، فهذه مهمة رجال الدولة، والذين دائماً يدافعون بعقلانية وحكمة عن أهمية وجوده ضمن أجهزة الدولة وبدون أن يتهموا المجتمع لا بعرضه ولا بشرفه ولا بدينه؛ لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر، من أجل التبرير لوجوده.
فقط أريد أن يشرح لنا، سعادة المتحدث الرسمي للهيئة الدكتور القفاري، لماذا لم يتعب أي من المجتمعات العربية من اللقطاء، برغم عدم وجود أجهزة هيئات لديهم، مماثلة لما لدينا؟ كما أريده أن يشرح لنا، لماذا مجتمع كالمجتمع العراقي، والذي تعتبر الدولة شبه غائبة عن مفاصله المهمة والحيوية، بسبب الحرب وما تلاها من احتراب داخلي، لم يتعب من اللقطاء، مع كونه تعب كثيراً من كثرة الأيتام والأرامل؟! كما أطالب سعادته بأن يفهمنا، حيث عز الفهم علينا، لماذا سنتعب نحن بالتحديد، دون غيرنا، من اللقطاء لولا تشدد الهيئة؟! ألسنا عربا ومسلمين مثل بقية العرب والمسلمين لدينا قيم وكرامة وشرف، أغلى علينا من أي شيء آخر. ألا يفترض أن نكون نحن الأكثر حرصاً من غيرنا على حفظ شرفنا وقيمنا، كوننا نعيش في بلد هو مهبط الوحي ومهد العروبة، ومن دون رقابة أحد سواء بتشدد أو بغيره؟ ألم يكن مجتمعنا حتى في الجاهلية بريئا من تهمة التعب من اللقطاء؟ فما باله عندما حمل لواء الإسلام، بقيمه العظيمة، يأتي من يتهمه بأنه لولا التشدد في مراقبته ومتابعته لتعب من اللقطاء؟!
ولقد صدق سعادة المتحدث الرسمي للهيئة في نقطة واحدة، وهي تشدد الهيئة في الخلوة بشكل عام، سواء كانت خلوة غير شرعية أم خلوة شرعية. ومن المعلوم بالضرورة، أن وجود "خلوة غير شرعية"، يعني وجود "خلوة شرعية". أي بأن الخلوة بحد ذاتها، ليست مدانة شرعاً، إلا إذا شابها الفعل اللاشرعي، فمثلاً لا يوجد لدينا السرقة غير الشرعية أو الزنا غير الشرعي، لكون السرقة والزنا عملين مدانين شرعاً بذاتهما ولذاتهما. وهنا تعامل الدكتور القفاري مع الخلوة، بنفس التعامل الذي يتم التعامل به مع جريمة السرقة وفاحشة الزنا، فعلاً كما ذكر تشدد في تشدد.
ومن كلام سعادته كذلك، بدأنا نستوعب بعض الوقائع التي حدثت وما تزال تحدث وتكون الهيئة طرفاً فيها، مثل خبر "إلقاء القبض على شاب وشابة في خلوة غير شرعية في سوق عام!". كما فهمت لماذا أصابت مواطن السكتة القلبية، عندما كانوا يشددون معه بالتحقيق بسبب خلوة مزعومة. وكما أزهقت أنفس بريئة، بمطاردات ومداهمات لا داعي لها. إذاً فنحن بحاجة ماسة لتشكيل لجان قانونية محايدة لمراجعة ملفات القضايا التي حررتها أجهزة الهيئة، لتعويض من تضرر، من ضحايا التشدد، وتبرئة من يستحق التبرئة.
إذاً فهل فهمت الآن، يا سعادة المتحدث الرسمي لماذا يتصادم جهاز الهيئة مع المجتمع؟ وذلك بسبب الإدانة المسبقة للمجتمع والتشدد في تطبيق أحكام على سلوكيات لا تستوجب شرعاً الحد، مثل الخلوة، وتعاقب عليها بأحكام أشد من الأحكام التي ورد فيها حد شرعي واضح وبين مثل حد قذف المحصنات والمحصنين. أي بأن لا دخل للإعلام بتحريض المجتمع على الهيئة؛ ولكن ما يقوم به الإعلام هو محاولة تقييم أداء الهيئة كجهاز حكومي مثله مثل أي جهاز آخر، وذلك من أجل المصلحة العامة، دفاعاً عن حقوق المواطنين من جهة، وكونه عينا للمسؤول من جهة أخرى.