بينما ينهمك العرب في صراعات ومشكلات داخلية أريد لها أن تشغلهم عن التفكير في المستقبل، وفقا لمراقبين، تجري المخططات الصهيونية في إفريقيا على قدم وساق، بهدف كسب الأفارقة واستخدام العلاقات الودية معهم في محاصرة الدول العربية، وبخاصة تلك التي تقع في القارة نفسها، مثل مصر والسودان.

وتشير مصادر إلى أن تل أبيب تجند طاقاتها كافة للاستفادة من القارة البكر اقتصاديا من خلال التبادل التجاري، والتأثير في سياساتها عبر الدبلوماسية الناعمة.


الدبلوماسية الناعمة

منذ اللحظة الأولى للتفكير في إنشاء كيان يجمع شتات اليهود، حرص مؤسسو إسرائيل على إقامة علاقات قوية مع العديد من دول القارة الإفريقية، سواء عبر وسائل "الدبلوماسية الناعمة" كتقديم المعونات لمنظمات المجتمع المدني المعنية بمكافحة الأمراض الخطيرة مثل الإيدز، أو من خلال إقامة مشروعات زراعية في دول مثل أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا بغرض محاربة التصحر وخلق البيئة المواتية للزراعة الدائمة، أو عبر بوابة الوجود الاستخباراتي التاريخي الذي يستهدف تقديم الدعم غير المباشر للجماعات والتنظيمات الإرهابية بما يضمن دخول القارة السمراء في دوامة لا تنتهي من التوتر وعدم الاستقرار.

ومن تلك الوسائل أيضا، تقديم الدعم العسكري الإسرائيلي الصريح لدول إفريقية بما يضمن لخبراء إسرائيليين بالمشاركة في تدريب وتسليح جيوش دول مثل إثيوبيا وإريتريا والكونجو وروندا وكينيا، وكذلك مراقبة المنافذ البحرية لإفريقيا، ومن ذلك إقامة إسرائيل محطة رادار على قمة جبل سور كين في إريتريا بهدف مراقبة السفن التي تمر عبر باب المندب.


أهداف رئيسية

يرجح مراقبون وجود ستة أهداف رئيسية وراء حرص إسرائيل على إقامة علاقات قوية مع العديد من دول القارة الإفريقية، منها التأثير في الأمن المائي والغذائي العربي، حيث تستخدم إسرائيل الماء وسيلة للضغط على الدول العربية الإفريقية، وعلى رأسها مصر والسودان اللتين تعد قضية المياه بالنسبة لهما قضية مصير وحياة أو موت. كما تريد تل أبيب إيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر الذي يحظى باهتمامها البالغ، وهو ما أكده بن جوريون حين وصف ميناء إيلات بأنه بمنزلة موت وحياة لإسرائيل. وكذلك يحاول نتنياهو كسب الرأي العام في القارة السمراء، وإضعاف التأييد الإفريقي للقضايا العربية، وخصوصاً في قضايا الصراع الساخنة.

ومن أهداف الزيارة كذلك الربط الإيديولوجي والحركي بين إسرائيل وبعض الحركات والجماعات الإفريقية؛ إذ سعت حكومة الاحتلال إلى توطيد علاقاتها مع جماعات وتنظيمات مثل حركة الجامعة الإفريقية والزنجية التي يطلق عليها اسم "الصهيونية السوداء". تدعيم العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية مثل إثيوبيا وغانا بما يؤدي إلى تحقيق إسرائيل مكاسب اقتصادية وزيادة التبادل التجاري، وضمان مورد مهم من الخامات، وخلق مجالات عمل جديدة للخبرات الفائضة لديها. وتستثمر الشركات الإسرائيلية أكثر من مليار دولار في مجالات الزراعة والمنتجات الكيماوية والتعدين في إثيوبيا وحدها. والمساعدة على تنفيذ السياسات الغربية في إفريقيا، وبخاصة أن إسرائيل هي الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة والدول الغربية، والمنفذ لسياستها.





الملف النووي

كشفت الباحثة في الشأن الإفريقي بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، الدكتورة بثينة صلاح، أن نتنياهو سعى خلال زيارته الأخيرة لعدد من دول شرق إفريقيا إلى حشد الدعم لاستعادة صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، وهو ما تم إلغاؤه في 2002 بناء على طلب من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.

وأضافت "تعزف إسرائيل دائما على نغمة تقديم الدعم الاقتصادي للدول الإفريقية المنهكة والنهوض بها، لكن الجانب الأمني والاستخباري هو بالفعل ما تسعى لتحقيقه، وتستغل الغياب العربي المخزي عن القارة السمراء لتكون الإنجازات الاقتصادية هي الطريق الخفي للأعمال الاستخباراتية".





إسكات مصر

أردفت بثينة صلاح "سعى نتنياهو إلى إسكات صوت مصر فيما يخص مسألة القدرة النووية لإسرائيل، وبخاصة أن القاهرة تطالب دائماً بطرح الملف النووي الإسرائيلي على جدول الأعمال في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدول الإفريقية تصوت وبشكل دائم ضد المطلب المصري، بل إن رواندا تتبع سياسة نشطة في هذا الأمر".

وتوقعت أن تنهي زيادة التقارب الإسرائيلي الإفريقي مطاردة مصر لإسرائيل في المسألة النووية إلى الأبد، لافتة في الوقت ذاته إلى أن تل أبيب تسعى للسيطرة على البحر الأحمر وتوسيع النفوذ الإسرائيلي في غرب إفريقيا وتحديداً بدول النيجر ونيجيريا وغانا وليبيريا وساحل العاج، حيث يوفر التمركز الإسرائيلي القوي في المنطقة فرصة كبيرة لمراقبة سواحل الأطلسي".

وأضافت أن إسرائيل تسعى أيضاً لفرض هيمنتها على منطقة منابع النيل ودول الحوض، من خلال دعمها المتواصل لسد النهضة الإثيوبي، مشيرة إلى أن تل أبيب أدت دورا مباشرا في ردم بحيرة "جونجلي" مستغلة في ذلك نفوذها بدولة جنوب السودان.



استغلال الغياب العربي

أعربت وزارة الخارجية السودانية عن قلقها من مساعي إسرائيل للتدخل في شؤون القارة الإفريقية، مشيرة إلى أن التحركات الأخيرة التي قام بها وزير خارجية الاحتلال، بنيامين نتنياهو، تهدف إلى استقطاب الدول الإفريقية إلى صفها في المحافل الدولية، واختلاق شقاق في علاقاتها مع الدول العربية. وقالت الوزارة في بيان إن تل أبيب تحاول تحقيق أهداف عدة من خلال زيارة نتنياهو إلى أربع دول إفريقية، هي أوغندة ورواندا وإثيوبيا وكينيا، في مقدمتها تشجيع بناء السدود على نهر النيل، للتضييق على السودان ومصر، إضافة إلى زيادة الاستثمارات الإسرائيلية في القارة السمراء، للسيطرة على مفاصل القرار السياسي، وزيادة التغلغل في تلك الدول، إضافة إلى محاولة تحقيق الحلم الإسرائيلي القديم بالحصول على جزء من المياه، عبر الاتفاق مع دول حوض النيل.

وحذر البيان من تجاهل الدول العربية للقارة الإفريقية، مشيرا إلى أن غيابها يتيح الفرصة أمام إسرائيل، لفرض سيطرتها وهيمنتها، لاسيما مع المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها غالبية دول القارة.


أطماع قديمة

كشف أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزيرة، الدكتور التجاني محمود، أن لزيارة نتنياهو الإفريقية عددا من الأهداف السياسية، في مقدمتها إرسال رسائل إلى السودان ومصر، بأنها موجودة في القارة ويمكنها منافستهما تجاريا، مشددا في الوقت نفسه على أن المياه تبقى هدفا رئيسيا للزيارة. وقال "اللافت أن الدول الأربع التي زارها رئيس وزراء إسرائيل من دول حوض النيل، كما التقى في العاصمة الأوغندية، كمبالا، رؤساء بقية دول الحوض، التي لم يزرها، وهي الكونجو وتنزانيا وجنوب السودان، وهو ما يرفع أسئلة مشروعة عن سبب تركيزه على دول هذه المنطقة بالذات دون بقية دول القارة، والإجابة الوحيدة التي تفرض نفسها هي اهتمامه بمسألة المياه، ومساعيه للحصول على موارد مائية جديدة، لاسيما في ظل ما يتردد بأن الحرب المقبلة عالميا ستكون على مصادر المياه العذبة. كما أن هناك تساؤلا آخر عن سبب مجيء زيارته في هذا الوقت بالذات، حيث تشهد العلاقات المصرية الإثيوبية توترات ملحوظة بسبب قضية سد النهضة، حيث يتردد أن تل أبيب أسهمت – عبر شركاء – في تمويل السد، إضافة إلى وجود خطط لدى بقية دول الحوض لتغيير اتفاقية مياه النيل التي تم التوقيع عليها عام 1959، وهو ما يثير الكثير من الشكوك حول دوافع الزيارة".


ارتباط أزلي

أضاف التيجاني "هناك بعد تجاري آخر في الزيارة، لا يقل أهمية عن البعد السياسي، لأن تل أبيب بحاجة إلى سوق تصدِّر إليها بضائعها، فهي من الناحية التجارية، لا تستطيع المنافسة في قارة آسيا، لأنها تتمتع بانخفاض الأسعار، ووفرة المعروض من دول مثل الصين وتايلاند وإندونيسيا وماليزيا، لذلك تفكر في دخول أسواق القارة السمراء، حيث تستطيع سفنها الوصول إلى عدد من الموانئ، مثل مومباسا الكيني، وبعد ظهور النفط في أوغندة وكينيا، يمكن لإسرائيل أن تأخذ المياه والنفط، مقابل المنتجات الصناعية، لاسيما أن نتنياهو هو صاحب فكرة "بنك الماء". واختتم بالقول "لا ينبغي التهويل من نتائج الزيارة، وأنها ستتمكن من تحقيق كافة أهدافها، فالقادة الأفارقة شديدو الارتباط بالدول العربية، وأغلبيتهم مؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية، وصوتوا لصالحها مرات كثيرة في الأمم المتحدة، والدليل على ذلك أن الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، الذي استقبل نتنياهو كرر في كلمته كلمة فلسطين أربع مرات، وهو ما أثار حفيظة الإعلام الإسرائيلي الذي شنَّ عليه فيما بعد حملة انتقادات لاذعة".


احتشاد المصالح

وصف مدير مؤسسة ساوث ميديا، الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية، خالد محمود، الزيارة الأخيرة التي تجول فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أربع دول إفريقية هي: إثيوبيا وأوغندا وكينيا ورواندا، بـ"احتشاد المصالح"، وهو مصطلح استخدمته أيضا جريدة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أثناء تناولها الزيارة.

وأضاف محمود أن حكومة الاحتلال سعت من خلال الزيارة إلى حشد الأصوات الإفريقية داخل المحافل والمنظمات الدولية وفي القلب منها الأمم المتحدة، حيث يشكل الأفارقة كتلة تصويتية كبيرة في مواجهة الأصوات العربية المناهضة لإسرائيل.

وعن مخرجات الزيارة، قال محمود "نجحت في الاتفاق على إعادة 43 ألف مهاجر إفريقي من بين 53 ألفا هاجروا إلى إسرائيل بصورة غير شرعية ويتسببون في أزمات اقتصادية كبيرة لتل أبيب، بينما لم تتحدث إسرائيل علانية في المقابل عن التمهيد لاستقبال مهاجرين جدد بشروط تضعها إسرائيل وتضمن لها خلق جيل جديد من يهود الفلاشا".

وأشار إلى أن حكومة الاحتلال غير راضية عن حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والدول الإفريقية، يقدر بمليار دولار، مؤكدا أن تل أبيب تسعى إلى زيادته بصورة تصب في مصلحة الصادرات الإسرائيلية إلى إفريقيا، انطلاقا من اقتناع إسرائيلي بأن النمو الاقتصادي الحقيقي سيكون في القارة السمراء وليس دول شرق آسيا. وتابع "تل أبيب تدرك أن النمو الاقتصادي بإفريقيا يقدر بـ4.5%، بينما لم يتجاوز في العالم نسبة 3.8%".


شراكات تبادلية

أشارت مديرة الوحدة الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية، الدكتورة أماني الطويل، إلى أن مواجهة المخططات الإسرائيلية في إفريقيا تتطلب تفعيل دور عربي إفريقي يقوم على بناء شراكات تبادلية المنافع، منادية بأن تكون هناك مساهمات مصرية وعربية ملموسة في الموازنات الإفريقية، مقترحة إستراتيجية شاملة لمواجهة الوجود الاستخباراتي الإسرائيلي التاريخي والطويل في إفريقيا.

وأضافت "الرئيس الراحل جمال عبدالناصر استطاع أن يكبح مخططات إسرائيل، ولكنها استطاعت التنفس مع اتفاقية كامب ديفيد التي أعادتها إلى إفريقيا، وفي المقابل فإن علاقتنا مع القارة السمراء توقفت عند حد الإعلانات الدعائية، وما زلنا مرتبكين ومترددين حيال الدخول في شراكات تقوم على مراعاة المصالح المتبادلة مع إفريقيا، تاركين الساحة لنتنياهو لممارسة المخططات الإسرائيلية في القارة السمراء بشكل واضح وصريح".


أهداف إسرائيل بالقارة السمراء



  • الحصول على حصة من المياه

  • كسب تأييد الأفارقة لإسرائيل

  • إيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر

  • إضعاف النفوذ العربي بإفريقيا

  • إيجاد أسواق جديدة لمنتجات إسرائيل

  • استخدامها كورقة ضغط للعرب

  •