من الواقعي لدينا أن يكون القتل بين بني البشر في ميادين المعارك بين الجيوش لأهداف سياسية أو في ساحة القصاص لتحقيق العدالة أو في الأوساط الجنائية لأسباب مادية وشخصية معينة، ولكن ما لا يمكن لنا تصوره أن يكون القتل شهوة جامحة لا تنطفئ نيرانها أبدا، بل تزيد بقدر الدماء التي تسفك والأرواح التي يفتك بها والأساليب التي تبتكر من أجل ذلك وتتطور حتى تصل إلى مرحلة تدمير الذات، فيقتل الإنسان نفسه.
يذكر علماء النفس والأنثربولوجيا أن هناك غرائز وحشية دفينة في براثن النفس البشرية تثور وتنخمد وفقا للظروف المرحلية التي تحيط بالإنسان، ويوما ما كانت هذه الغرائز سائدة في النفس البشرية قبل عشرات الآلاف من السنين فيما يعرف في علم الأنثربولوجيا "بالإنسان الصياد"، ولكنها اندثرت بدخول الإنسان في مراحل حضارية متقدمة هذبت من سلوكه الحيواني وأنبتت فيه الحس الإبداعي بجانب مستويات عالية من الإدراك الشمولي للحياة، ولكن هذه الغرائز قد تستيقظ متى توافرت لها الظروف الحالكة، فتحاصر النفس البشرية فيطغى ما بها من نزوات.
الممارسات الحالية للجماعات الإرهابية في القتل وإزهاق الأرواح تشير بوضوح إلى انبعاث هذه الغرائز البربرية بأبشع مما كانت عليه في أزمنتها السحيقة، فما نراه من التفنن في نحر الرقاب وحرق الأحياء وجلدهم وسلخ رؤوسهم والقذف بهم من أسطح البنايات، وغيرها من الصور المفجعة، ما هي إلا ترجمة لهذه الغرائز الدموية في نفوس أصاحبها.
لقد وجد هؤلاء مرتعا خصبا في ظل الفراغات السياسية في عالمنا العربي والإسلامي، فاستشرى خطرهم وتجاوز كل الحدود الجغرافية، بل وحدود الفطرة الإنسانية لتشرق الشمس على يوم يقتل فيه الإنسان نفسه وأقرب المقربين إليه.
إحاطة الإنسان ببيئة حية واسعة الأفق تنمي فيه غرائز الحب والبقاء ليتجلى فيها إبداعه في إعمار الحياة هو السبيل لمواجهة هذا الشر المتقد، الفنون والآداب والخيال والفكر الحر والعلوم الطبيعية هي مظاهر الإبداع الحضاري البشري التي كان لها الدور الأبرز وما زال في وأد غرائز الفناء، وإحياء غرائز البقاء على الأرض لتنمو فيها الحياة من جديد.