عندما قرأت أخبارا تتحدث عن قرب إطلاق قناة رياضية "سعودية" جديدة، لم يدر في ذهني لحظتها سوى سؤال واحد هو: "من أي طينة ستجلب لنا هذه القناة معلقين رياضيين؟ ". فأنا لحظتها كنت أعاني من أعراض الصداع و"القرف" الذي سببه لي معلق مباراة الهلال والأهلي الأخيرة على قناة "الجزيرة الرياضية" ضمن دوري زين، حيث تمنيت لحظتها أنه صدق ولم يكمل التعليق، حين قال عندما ضاعت هجمة لأحد الفريقين "لالا لالا.. ما أقدر أكمل التعليق"، طبعا في سياق صراخه الذي يعتقد أنه تفاعل مع المباراة.

مشكلة التعليق الرياضي في الخليج العربي، مشكلة حقيقية، صُنعت بأيدي أصحاب المهنة ذواتهم، حيث أعتقد كل مقلد للأصوات، أنه صاحب موهبة في التعليق الرياضي، وبالتالي ما عليه سوى تسجيل (تعليق/ صراخ) أحدهم من الجيل القديم، ثم تقليده حتى في نغمة الصوت ولهجة المكان الذي ينتمي إليه الصوت الأصل. ولعل ما حدث في المسابقة التي نظمتها قناة" الجزيرة الرياضية" قبل عامين تقريبا، أبلغ دليل على ذلك، حيث كانت نتيجتها استنساخا على مستوى عال من الدقة للمعلق الكبير يوسف سيف، والمعلق الإماراتي عدنان حمد، بل حتى بعض المعلقين الشباب أمثال فارس عوض، ظهرت لهم نسخ محلية مقلدة، وكأننا في مهرجان لتقليد الأصوات. والغريب أن هذا يتم بمباركة وإشادات القنوات الرياضية بدءا من القناة الرياضية السعودية وليس انتهاء بنظيراتها الخليجيات، ربما اقتفاء بـ"المرحومة" ART" التي كانت السبب الأول في ظهور هذه الموجة الصوتية، وذلك لأنها كانت تعطي الفرصة لكل من "هب ودب" للتعليق، ليس من مبدأ "تشجيع الشباب" كما كانت تردد، ولكن من مبدأ توفير النفقات وأسلوب"مشي حالك"، كما يعرف جميع المتابعين للوسط الرياضي.

المصيبة الكبرى أن هذا "الداء" بدأ يؤثر حتى على معلقين عرب لهم شعبيتهم الكبيرة في العالم العربي مثل عصام الشوالي، حيث يلاحظ في الفترة الأخيرة أنه تخلى عن الرزانة والموضوعية في التعليق، فانطلق يلقي أشعارا ويضخم أسماء أكثر ما يقال عنها أنها "عادية جدا".

وهنا أعتقد أن "الجزيرة الرياضية" عندما تركت المشاهد السعودي يعاني من صراخ هؤلاء ـ المعطلين لدور الأذن ـ كانت ترى أن مجرد القول إنهم سعوديو الجنسية، سيجعلنا نتابع مهما كان الثمن بحكم أن هذه هي الذائقة المحلية، أو أنها لا تعطي الدوري السعودي أي أهمية فتوكل له أضعف طواقمها ليتعلموا الحلاقة في " آذاننا". أو أنها تريد عقابنا بهؤلاء لسبب "الله أعلم به".