كعادتها خلال الفترة الأخيرة، فاجأت الأمم المتحدة المجتمع الدولي بإصدار تقرير ضعيف غير متوازن عن الأزمة في اليمن، وأدرجت التحالف العربي لاستعادة الشرعية ضمن القائمة السوداء التي تهدد حياة الأطفال. ويكمن وجه غرابة التقرير في الجهة التي تقف خلفه، وهي ممثل مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في اليمن، جورج أبو الزلف، الذي يبدو أنه يجهل كافة أسس العمل الحقوقي الذي يفترض النزاهة والحيادية والبعد عن التصورات الشخصية، والعمل على أساس الأدلة والشواهد والقرائن والحيثيات. فالرجل الذي يتضح أنه مدفوع بدوافع خاصة، تجاهل في تقريره أدلة يعرفها حتى المواطن العادي، وغض الطرف عن حقائق تتحدث عن نفسها، وصمَّ أذنيه عن أنين الأطفال والنساء الذين سحقتهم صواريخ وقذائف ومدفعية الحوثيين وحلفائهم في تعز، وسحقتهم ونهشت أجسادهم البريئة قبل ذلك في عدن والضالع ولحج وغيرها من المحافظات اليمنية.
لم ير "أبو الزلف" قذائف الحوثيين وهي تريق دماء أطفال اليمن، ولم يشاهد آلاف الأطفال القُصّر وهم يحملون السلاح ويمارسون القتال في صفوف الميليشيات الإجرامية التي أرغمتهم على ذلك، رغم أن علاقتهم بطرق استخدام السلاح لا تتجاوز أياما معدودات قضوها في معسكرات تدريب تفتقر إلى أبسط المقومات العسكرية.
ويبدو أن السيد أبو الزلف لا يدري أيضا أن قرابة مليوني طفل اضطروا للانقطاع عن التعليم بسبب استيلاء الانقلابيين على مدارسهم، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، أو مراكز لإيواء مئات الآلاف من المواطنين الذين فقدوا منازلهم بسبب الانقلاب المشؤوم، ولم يسمع بصرخات الأطفال الجياع في تعز، بسبب حصار الحوثيين للمدينة، ورفضهم السماح بدخول القوافل الإنسانية التي تحمل الغذاء والدواء.
كل تلك القرائن والأدلة أوردتها هيئات حقوقية متخصصة وتابعة للأمم المتحدة، مثل منظمة رعاية الطفولة "يونيسيف"، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة حقوق الإنسان، إضافة إلى إفادات مماثلة للجنة الدولية للصليب الأحمر، وغيرها من الهيئات والمنظمات المحلية والدولية التي وقفت بنفسها على الأوضاع في اليمن، وقررت بوضوح لا لبس فيه إدانة الجماعة الانقلابية.
ورأى زملائي أعضاء لجنة حقوق الإنسان العربية بأعينهم عندما زاروا اليمن، كيف أن أطفال اليمن يعانون أشد المعاناة بسبب ممارسات الحوثيين التي سرقت طفولتهم، وأضاعت مستقبلهم، وأدخلتهم في أجواء الحروب والدماء التي لا تتناسب مع طبيعتهم وبراءتهم، للدرجة التي قطع فيها مختصون بأن هؤلاء يحتاجون –بلا شك– إلى علاج نفسي مكثف، بعد انتهاء العدوان وزوال الانقلاب، لإعادتهم من جيد أعضاء فاعلين في مجتمعهم.
ترتفع أسئلة عديدة عن دور المنظمة الدولية في عهد أمينها العام الحالي، بان كي مون، وما إذا كانت لا تزال كما أريد لها أن تكون، مرجعية دولية عليا لنزع فتيل الأزمات، أم أنها تحولت إلى أداة في أيدي جهات عالمية تريد للعالم أن يستمر في حالة اضطراب وحروب وعدم استقرار؟
فالملاحظ أنه منذ مجيء مون إلى رئاسة الأمم المتحدة، فقدت تلك المنظمة القدرة على القيام بواجبها، ولم تفلح في وضع حد لأي نزاع، وتكفي أزمات فلسطين وسورية والعراق واليمن وأوكرانيا ومعاناة الروهينجا كأدلة على ذلك الفشل الذريع.
ومع أن المنظمة الدولية مرت بحالات ضعف مشابهة خلال الفترات السابقة، إلا أن ما تعيشه حاليا وصل مرحلة التخبط الصارخ، ولا أدل على ذلك من التناقض في تقارير وقرارات العديد من الهيئات التابعة لها، فالعفو الدولية تؤكد ارتكاب الحوثيين انتهاكات بحق السكان، وتقرير أبو الزلف يلقي باللائمة على التحالف العربي، واليونيسيف تثبت تورط الانقلابيين في جرائم حرب بحق الأطفال، بأدلة وشواهد مثبتة، وممثل المفوضية يضرب بذلك عرض الحائط، وحقوق الإنسان تطالب بمحاكمة أقطاب الانقلاب أمام محكمة العدل الدولية، وأبو الزلف يتمادى في تجاهله.
فكيف يراد لمنظمة بمثل هذا التخبط والعشوائية أن تحافظ على احترام العالم لها، والبقاء على اعتبارها مرجعية للعدل وحارسة للقانون؟
كيف يمكن الوثوق بتقارير تصدرها جهة يترأسها مسؤول غير محايد، قام بتعيين عدد من عناصر الجماعة الانقلابية مدراء لمكاتب المفوضية في عدد من المدن، مثل حجة وذمار؟! وكيف يمكن تفسير قيامه أيضا بتنظيم دورات تدريبية لحوالي 18 من كوادر الحوثيين في كيفية كتابة التقارير غير النزيهة؟ لدرجة أنه سمح بإصدار تقارير عن المفوضية في غيابه، على غرار التقرير السابق الذي صدر وأبو الزلف في نيويورك؟
وربما أراد بان كي مون من إدراج اسم التحالف في تقريره كخطوة استباقية، ليبرر عجزه وتقاعس منظمته عن متابعة تنفيذ قراراتها الدولية ابتداء بقرار رقم 2216، وعدم مواكبته الأحداث في اليمن وتجاهله متابعة مدى التزام الانقلابيين بتنفيذ بنود القرار.
وعلى الرغم من أن هذا التقرير لا يعدو كونه عرضا دوريا للأمين العام ليست له تبعات قانونية، لكن الهدف منه تضليل الرأي العام. الأمر الذي يتطلب معه مواجهته بدبلوماسية موضوعية لإجبار بان كي مون على تعديله.
وليست هذه هي السقطة الأولى لأبي الزلف، الذي صبرت عليه الحكومة الشرعية، ولفتت نظره مرات عديدة إلى ضرورة الحياد واتباع المهنية في أداء مهمته، إلا أنه ظل يواصل نهجه الانحيازي، وعندما ضاقت الحكومة ذرعا بممارساته اعتبرته شخصا غير مرغوب فيه، وطالبته بمغادرة البلاد، إلا أن المنظمة الدولية سارعت بالتدخل، وتوسطت لدى الحكومة لإلغاء قرارها، بعد أن تعهدت بتقويم طريقة أدائه ومراجعتها، لكن يبدو أن ذلك التدخل لم يكن سوى مسكِّن بسيط للألم، وتهدئة لغضب الشرعية، حتى يتمكن أبو الزلف من إكمال الدور الذي رسم له بعناية وتركيز.
من اللافت أن العديد من الدول الكبرى برأت ساحة التحالف من أي انتهاكات أو تجاوزات لحقوق الإنسان، فالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قررت في مناسبات عديدة أنها شاهدة على مراعاة طائرات التحالف لمبادئ الحفاظ على سلامة المدنيين، وأن بعض طياري هذه الدول يراقبون ما يجري على الأرض في اليمن، ووقفوا على أن العمليات العسكرية تتم وفق ترتيب مسبق وحسابات دقيقة، وأن القذائف التي تستخدمها المقاتلات من أحدث الأنواع، ونسبة الخطأ في إصابتها الهدف ضعيفة، وتكاد تكون معدومة.
لذلك، فإن المطلوب من التحالف العربي ألا يلتفت إلى هذه المحاولات الرامية لصرفه عن مواصلة مهمته التي قام من أجلها، وأن يكون رده العملي هو مواصلة جهود إحلال السلام في اليمن، والإسهام في عودة الشرعية إلى اليمن بأسرع ما يمكن، استجابة للطلب الذي تقدم به الرئيس هادي، فالتدخل العسكري للتحالف حمل الشروط الدولية الواجب توافرها، وفي مقدمتها الشرعية والمشروعية، وأنقذ اليمن من مخاطر مستقبل مظلم ومجهول، وبات التحالف بنفس اليد التي منع فيها الانقلابيين من الانقضاض على قرار الشرعية اليمنية، يقود جهود إحلال السلام عبر عملية سياسية تجري أحداثها في الكويت الآن.