كانت دول "منظمة الدول المصدرة للنفط"، "أوبك"، تملك مزايا ما يمسى بـ"المنتج المتأرجح" لسنوات طويلة، وهو التحكم برفع وخفض مستوى الإنتاج اليومي للنفط عند مستوى لا يطغى به فائض العرض على الطلب فتتماسك الأسعار عند مستوى مناسب للدول المصدرة. طبعا هناك عوامل أخرى ولكن نتحدث هنا عن العامل المؤثر الأكبر.

لعبت دول أوبك دورا مهما في إنتاج النفط كمكمل للطلب العالمي بعد طرح الكميات التي تستطيع الدول المستهلكة تأمينها من الطلب العالمي، وبذلك يكون دور دول "أوبك" تأمين الناقص بطريقة تضمن عدم وجود فائض. فمثلا خلال السنوات الماضية كان الطلب الدولي تقريبا 90 مليون برميل يوميا، وتستطيع الدول من خارج منظمة أوبك وهي الدول المستهلكة تأمين 60 مليون برميل، وتأتي دول أوبك لتؤمن بين 29 مليون برميل إلى 30 مليون برميل لتضمن عدم وجود فائض فتبقي الأسعار متوازنة مع السوق العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، كان للمملكة العربية السعودية ميزة أخرى وهي إمكانية زيادة الإنتاج بحوالي مليونين ونصف المليون برميل يوميا في حال تعثر الإنتاج من أي دولة منتجة، سواء كانت مصدرة أو مستهلكة ومصدرة، وكانت هذه الميزة تمنح ثقة كبيرة للمملكة أو ما يسمى بـ"المنتج المتأرجح"، المكمل للنواقص متى ما دعت الحاجة.

ومن جهة أخرى، تفوقت التكنولوجيا مؤخرا بعد العمل عليها لسنوات طويلة في اكتشاف وحفر واستخراج وإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وبذلك ارتفع الإنتاج في أميركا من النفط الصخري إلى حوالي 5 ملايين برميل يوميا وجعل الأمر ميسرا، حيث ارتفعت كمية احتياطات النفط الصخري الممكن إنتاجه بواسطة هذه التكنولوجيا 10 أضعاف خلال عامين، حيث وصل إلى 350 مليار برميل وهذا يعادل ما تنتجه دول أوبك اليوم في 30 سنة.

بذلك، ارتفع الإنتاج العالمي للنفط التقليدي وغير التقليدي إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميا كفائض عن الطلب، وتسبب في خفض الأسعار تدريجيا وأصبح الجميع يستغل الفرصة ويشتري النفط ويخزن في صهاريج احتياطية، حتى انخفضت الأسعار إلى دون 30 دولارا بعد أن كانت فوق 100 دولار.

توجب على دول أوبك خفض الإنتاج من 30 مليون برميل يوميا إلى حوالي 27 مليون برميل لتبقي دورها "ضابط الإيقاع"، ولكن كان هذا الدور محفزا للنفط الصخري ليزداد أكثر وأكثر وسيزيد العبء على دول "أوبك" مع تزايد إنتاج النفط الصخري، ولذلك آثرت دول "أوبك" إبقاء إنتاجها مرتفعا، بل إنها تنتج أكثر من المستوى التي حددته لنفسها، وهذا جعل من النفط الصخري يعاني كثيرا نظرا للتكلفة العالية لإنتاجه. 

كان هذا القرار صعبا على دول أوبك والنفط الصخري أيضا، ففي عامين خسرت دول أوبك ما يعادل 4 تريليونات ريال، مقارنة بدخل الـ5 سنوات الماضية، وهو حاصل ضرب إنتاجها (30 مليون برميل يوميا) في 50 دولارا لمدة عامين. وكانت حصة الخسارة لصادرات النفط السعودي 1 تريليون ريال. يجب أن نتذكر أن الدول المستهلكة هي دول متقدمة -أميركا وأوروبا واليابان والصين- بينما دول "أوبك" تعتمد بشكل كبير على النفط في ميزانياتها وهي دول لا تمتلك التكنولوجيا ولا الكوادر الماهرة.

ماذا يمكن أن يحصل بعد ذلك؟

في ظل ظروف طبيعية، أي عدم تعثر أي دولة منتجة، سواء من داخل أو خارج "أوبك" لأي سبب، سيخفض النفط الصخري من إنتاجه ويتحكم برفع الإنتاج فقط عندما يرتفع سعر النفط إلى حوالي 70 دولارا للبرميل، وتبدأ شركات النفط الصخري تلعب دور "المنتج المتأرجح"، ترفع الإنتاج وتخفضه تماشيا مع العرض والطلب كما تراه مناسبا للأسعار، ويتوقع أن تكون هناك عمليات دمج واستحواذ بين هذه الشركات ليكون العمل أكثر تحسنا في أدائه.

بهذا يكون دور "المنتج المتأرجح" انتقل من دول أوبك إلى النفط الصخري، ويواصل الأميركان الاعتكاف في المعامل التكنولوجية لتطوير التقنيات التي تعمل على الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي، وهذا سيخفض من تكاليف الإنتاج لتؤمن أميركا نفسها وتكتفي ذاتيا خلال السنوات القادمة، ومن ثم تجعل الدور ممهدا ومغريا أكثر للصين التي تملك أكبر احتياطي للنفط الصخري تحت أرضها. العمل جار على قدم وساق لتطوير تكنولوجيا إنتاج الصخري لخفض تكاليفه وهذا ما سيخرج كثيرا من نفط "أوبك" خارج أسواق المنافسة.

معظم دول "أوبك" التي تعاني كثيرا وتعتمد على النفط بشكل كبير في ميزانياتها وتفتقد إلى تنويع مصادر الدخل بشكل كبير ستبقى تعمل فقط على نظرية "الدعاء لتعثر الغير"، ولم يعد دورها مهما حيث فقدت مزاياها، فلم يكن متوقعا لنظريات لا تسير في اتجاه التطور التقني والتكنولوجي بأن تتفوق على دول اعتكفت في المعامل وعملت على التطوير، فلنتذكر دائما أن المنافس لـ"أوبك" هو وجود النفط الصخري والتكنولوجيا التي تستطيع استخراجه، وليس شركات النفط الصخري التي أيضا تستطيع العودة متى ما ارتفعت الأسعار.