قبل عدة أسابيع، وبعدما أخذني الحماس وأنا أقرأ أخبارا عن وزارة الإسكان وإعلاناتها عن استحقاق المواطنين الحصول على سكن خاص بهم؛ قررت أن أسجل في برنامج الدعم السكني "إسكان" لأنضم إلى آلاف المواطنين الذين يحلمون بسكن خاص بهم على أرض هذا الوطن الشاسع. المؤكد أنني وهؤلاء الآلاف معي لسنا نعيش بالعراء، ونحن ندخل بياناتنا في مثل هذا الموقع، ولكنه حرص على أن يكون لنا نصيب في الحق الذي نوه له خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز في أبريل الماضي عند لقائه مع وزير الإسكان حينما قال: "إن توفير السكن الملائم للمواطنين وأسباب الحياة الكريمة من أولوياتنا، وهو محل اهتمامي الشخصي، وما صدر مؤخراً من تنظيمات وقرارات يصب -بمشيئة الله- في هذا الاتجاه، فالجميع يدرك ما توليه الدولة من رعاية واهتمام بهذا القطاع، وما اعتمدت له من ميزانيات ضخمة". ولأنني أدرك ما توليه الدولة من اهتمام بهذا الملف، وأقرأ وأسمع بالأرقام المليونية التي تعتمدها الحكومة كميزانيات لقطاع الإسكان، وقبل كل هذا ولأنني مواطنة في هذه الدولة وأستحق حياة كريمة منها وجود سكن خاص لي؛ فقد أدخلت بياناتي بتفاؤل شديد، ولا أبالغ أنني وأنا أنتقل بين الخانات التي توجد على واجهة البوابة الإلكترونية لبرنامج الدعم السكني وهي تسألني عن معلومات شخصية؛ كنت أتخيل منزل أحلامي المنشود برومانسية، وكنت أختار سعته وتصميمه بتواضع شديد يتناسب مع المساحات الممكن منحي إياها، وأفكر أن يكون عدد الغرف معقولا مع احتياجي حتى لا "أُكلف" وزارة الإسكان مبالغ طائلة على حساب بقية المواطنين شركائي في الوطن/ الحلم.

عندما تقدمت أكثر في إضافة بياناتي ومنها بيانات زوجي توقفت بي الصفحة عند طفليّ التوأم تطلب رقم صك إعالتهما. أعترف أنني حاولت التحايل والخروج من المتصفح عدة مرات وإدخال الأسماء بالتناوب، بل حذف اسم زوجي من القائمة كلها، فربما كان امتلاكه المسبق لمنزل هو سبب تعثر تقدمي في رفع الطلب ولكن دون جدوى. عدت وقتها للسؤال عن معنى صك الإعالة ومعرفة حيثيات الحصول عليه، وقادني هذا إلى معرفة الشروط الخاصة لحصول المرأة على أحقية دعم إسكان وجميعها تشترط أن تكون بلا زوج، وأن تكون مطلقة منذ عامين كضمان خلوها التام من الزواج، أو تكون أرملة وجميعها تستلزم أيضا أن يكون لديها أبناء بأعمار معينة، وأن يكون لديها عليهم صك إعالة لاستيفاء شرط الأسرة الذي يُستثنى منه أيضا الأرمل والأعزب؛ وهذا ما لا يتوفر بي كامرأة ضمن اشتراطات الإسكان.

لم أكن متفاجئة تماما من عدم أحقيتي الحصول على دعم إسكان سواء أكان نصف قطعة أرض أو منزلا أو حتى غرفة على سطح أحدهم بسبب أنني امرأة، وفوق هذا امرأة متزوجة في منزل خاص لزوجها الذي يعيلها وأبناءها حتى توقعت أن تظهر لي رسالة على واجهة البوابة الإلكترونية لوزارة الإسكان تقول: "امرأة وقوية عين!". الشعور بأنك مواطن من درجة ثانية أمر جارح، لا تستطيع أن تحصل على أولويات طبيعية في الحياة كالسكن ما دمت في ظل شخص آخر، والمرأة هنا تعتبر تحت ظل الرجل الذي يعولها ولو شكليا، علما بأننا جميعا نعلم أن الحياة الزوجية قائمة على المشاركة، خاصة في هذا الزمن الذي يستلزم مشاركة مالية في تفاصيل الحياة اليومية إن لم يكن تحملها بالكامل من الزوجة التي لا تستطيع أن تحصل على سكن خاص بها بسبب أنها غير مطلقة أو أرملة!

لم أنته من يأسي التام من الحصول على سكن خاص إلا إن كان بجهد خاص وعمليات حسابية طويلة مبالغ فيها في ظل أزمة الإسكان وارتفاع أسعار العقارات التي قد لا تتوفر لي إلا مع وصولي للخمسين، حتى سمعت بالتعديلات الجديدة بلائحة الدعم السكني والتي يتوقع معها استبعاد قرابة 450 ألف مواطن لعدم انطباق الشروط عليهم، ومنها أن يتم سداد القرض كاملا قبل وصول المقترض لعمر 65 وأن يكون القسط 33% من إجمالي الدخل وأيضا إحضار كفيل غارم إذا كان المتقدم وأفراد أسرته المدرجون في الطلب غير قادرين على سداد القسط. الحقيقة أن شعور "الشماتة" لم ينتابني مع هذه الاشتراطات الجديدة ولا الانتصار لكوني امرأة لا تستحق كشريكها الرجل سكنا إلا في حالات ضيقة وغير معقولة، إلا أن الشرط الأخير بخصوص الكفيل الغارم لفت نظري إلى إمكانية أن يتعاون أفراد الأسرة الواحدة في التقدم لطلب الدعم السكني ومن الأفراد لا شك توجد امرأة أو أكثر وهنا نجد التغاضي عن مشاركة المرأة في دفع قيمة القرض المخصص للسكن ما دامت فردا في تلك الأسرة، وبالمقابل لا يمكن لها أن تطالب بسكن باسمها وهي ضمن ذات الأسرة إلا إن كانت بلا زوج.

منذ آخر محاولة على بوابة الإسكان الإلكترونية قمت بتسجيل خروج نهائي دون أمل للعودة إليها، وأجزم أنها ستنسى تلقائيا سجلي الوطني وبيانات أفراد أسرتي المضافة خاصة أولئك الذين دون صك إعالة، ولن أكرر الكلام الثقيل الذي لا يروق لمجتمعنا حينما نصفه بأنه ذكوري وقائم على تلبية احتياجات الرجل أولا وبمنأى عن وجود شريكة له في الأسرة وفي الوطن تبذل بشكل مساو وقد يفوقه أيضا من الجهد والمال والاهتمام لتلك الأسرة وهذا الوطن دون شعور بالمنة أو التهاون في تقديم ما يستحقان، ولكنها تأتي تاليا في أغلب الاحتياجات التي تسيّر لها حياتها، ومن ضمنها حصولها على سكن خاص عبر وزارة خصصت لهذا الشأن لجميع المواطنين. أما وأن مشكلة هذه الوزارة عويصة مع شريكها الرجل أيضا فإنه: "آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه"، ويذبل الأمل تماما في حلم السكن الخاص، وقد ترضى الكثيرات بالبقاء في ظل الرجل الذي يؤمن لها سكنا أو تقرر البقاء بلا "ظل" ليكون لها اعتبار في قوائم وزارة الإسكان!