زين العابدين الغامدي
لا يزال الحديث غضا طريا عن رؤية السعودية الجديدة التي طرحت حزمة من الإصلاحات الشاملة للدولة في السياسة والاقتصاد ومناحٍ عدة.
ويتداول الساسة في الشرق والغرب هذه الرؤية بكثير من التحليل والاهتمام، كما أن وسائل الإعلام الشرقية والغربية والعربية ووسائل التواصل الاجتماعي متخمة بالحوار والمناقشة حول تلك الرؤية.
ترى هل رؤية التحديث والإصلاح مجرد حلم عابر أم هي رؤية حقيقية تستلهم الماضي وتستثمر الحاضر وتستشرف المستقبل؟ رؤى المتفائلين تقول إنها ليست مجرد حلم، بل هي خطة عمل وخارطة طريق للخروج من عنق الزجاجة والتطلع إلى مستقبل أفضل أما فريق المتشائمين والمشككين فلهم رؤيتهم الخاصة التي قد تكون مجرد وجهة نظر.
دع الحلم يمر ودع الواقع يحكم، لأن الأزمات العالمية تحيط بنا وتحاول الرؤية الجديدة التعامل معها بشيء من الجد والحذر وكثير من العمل الدؤوب، نحن بين خيارين إما الجمود على موروثات قديمة لا تتفق مع رؤى الإصلاح والتحديث أو الانطلاق نحو فضاء حديث أوسع.
في كل حركات التحديث القديمة والمعاصرة كان هناك مشككون ومتشائمون ومعارضون لا يهم، فهي ظاهرة قديمة معروفة عبر الزمن، والمهم أن نعمل بجد وجهد لدعم هذه الرؤية الحديثة التي لا تتعارض مع الدين والقيم أو التراث والتاريخ العربي القابل للتطور والتحديث، وإذا أردنا أن نكون في مصاف الدول المتقدمة فلا بد أن نتجه صوب التحديث بشكل تدريجي ومدروس وممنهج دون صراخ أو ضجيج، فالهادئون الذين يعملون بصمت وتجرد وإخلاص هم الفاعلون دوماً في حركة التاريخ، وهم رواد التأثير فيه، مرضى النفوس يترددون في الحكم على الأشياء لأن عيونهم فيها غبش وعمش.
لا يكفي أن يتحرك الأفراد دون تحرك المؤسسات، وأول عمل يجدر ملاحظته هو مكافحة الفساد والبيروقراطية، فبدون ذلك تتعطل عجلة التحديث وتقف مركبة التغيير وتصبح الرؤى مجرد أفكار غير قابلة للعمل والتنفيذ.
لا يعني ذلك أن نستورد الأفكار والرؤى من الشرق أو الغرب، فلنا تاريخنا وحضارتنا وخصوصيتنا، كما لهم تاريخهم وحضارتهم وخصوصياتهم، ولا يعني أيضا الجمود والانغلاق، فالاستفادة من تلاقح الحضارات والاستفادة من تجارب الآخر الذي سبقنا بالبحث التجريبي والتقنيات والعلوم الحديثة ضرورة حتمية.
حين تتجه السعودية نحو بناء دولة حديثة معاصرة، فإن بوصلة التغيير لا بد أن تكون حاضرة بجرأة وبقوة دون نظر لمثبط أو مشكك أو قلق متردد، وهنا لا بد أن نستحضر الدول التي خرجت من تحت ركام الحروب العالمية وويلاتها وأزمات الاقتصاد وتداعياتها واستطاعت برؤى التحديث أن تنافس، بل تتقدم على دول أخرى لم تمر بها حروب أو أزمات كالتي مرت باليابان وسنغافورة مثلا، وشواهد التاريخ ماثلة في دول قريبة ومجاورة.
وعلى الجميع أن يشارك في رؤى الإصلاح والتحديث إذا أردنا أن نتجه صوب دولة حديثة لا تعتمد على نفط الحقول بقدر اعتمادهـا على نفط العقول.