نعم التعليم وحده لا يكفي ليؤهل أبناءنا لسوق العمل، خاصة خريجي الثانوية العامة. فأبناؤنا بحاجة أن يتعلموا الحياة كما هي في الواقع، ولن يتمكنوا من ذلك إن أبقيناهم داخل أسوار المدارس ولم نقدم لهم فرص التدريب في الساحة التي سيدخلونها بعد التخرج. تأتي الإجازة الصيفية ونجد أننا لم نخطط ونقدم لهم فرص عمل تؤهلهم وتمدهم بالمهارات والقدرات المطلوبة، فيكون الناتج عندما يحين وقت الدخول إلى سوق العمل تذمرا من أصحاب العمل وغضبا من المتقدمين للوظائف!

إن المسؤولية تقع علينا جميعا، من الأسرة إلى وزارتي التعليم والعمل إلى مراكز البحث، إلى المؤسسات والشركات والمتاجر بل جميع مكونات سوق العمل، وأخير وليس آخرا إلى الطالب نفسه. بدأت بالأسرة وانتهيت بالطالب لأن الأسرة هي من يجب أن تبدأ بتشجيع وحث الابن على الولوج إلى سوق العمل بداية من صيف ما بعد المرحلة المتوسطة، والابن هو من يجب أن يبدأ في التفكير في مستقبله ويخطط ويرسم الأهداف التي سوف يقوم بالعمل على تحقيقها، سواء كانت اختيار التخصص الجامعي أو المجال الذي سيدخله إن هو قرر العمل بعد التخرج من المرحلة الثانوية، لا نستغرب فهنالك من يجد أنه بحاجة للعمل لأسباب مادية تعاني منها أسرته، على الأقل يستطيع أن يتقدم حيث له خبرة سابقة، ولن يكون عبئا على صاحب العمل أو الشركة، ومن يدري قد يجد فرصة الترقي وتتاح له فرص تكملة مسيرة التعليم ومنها ينطلق إلى آفاق أخرى في الحياة العملية.

الآن لننعش الذاكرة بفوائد العمل الصيفي بالنسبة لطلبة المرحلة الثانوية ولنبدأ بأهمها؛ ألا وهو فرص تطبيق ما تم تعلمه في المناهج عمليا، وهنا تكون الوظيفة المؤقتة الصيفية بمثابة امتداد للتعليم خارج الفصول الدراسية التقليدية، فمثلا يمكن للطالب استكشاف الخيارات المهنية قبل اختيار التخصص الجامعي من خلال خبرات العمل المختلفة في الإجازات الصيفية للمرحلة الثانوية، لأن الصورة قد تتضح لديه من خلال الممارسة، فقد يجد أنه يفضل العمل في الهواء الطلق وليس المكاتب أو في المعامل أو المصانع، المهم أنه من خلال الدوام الجزئي سوف يدرك من خلال الاحتكاك الشخصي الفرق بين ما كان يبحث عنه وما لم يكن يبحث عنه ولكنه وجد متعة فيه وإمكانية للإبداع والتفاعل، وللتوضيح أكثر قد يكون تم اختيار مهنة أو وظيفة معينة ومن خلال العمل يكتشف أنها لا تلائمه أو تلائم قدراته واتجاهاته، وقد يكون تم اختيار ما لا يرغبه أو ليس لديه فكرة مسبقة عنه ولكن بناء على ما يقدم ماليا، ولكنه يكتشف أن هذه المهنة هي تماما ما كان يبحث عنه وهي ما تلائم ظروفه واحتياجاته ويستطيع أن يبني عليها ومن ثم ينطلق في مجال التخصص. ثم يأتي تعلم أهمية إدارة الأموال، فعند البدء في كسب المال من المجهود الخاص، سيتم تقدير قيمة الورقة المالية ويبدأ في إدراك أهمية الاقتصاد والتوفير والادخار، بمعنى آخر يقدر قيمة القرش الذي بين يديه. ثم يأتي دور أهمية تعلم إدارة الوقت، متى ينام ومتى يتحرك ومتى يصل وكيف يصل إلى مكان عمله، وكم من الوقت يقضيه مع الأسرة وغيره مع الأصدقاء، أي يبدأ في الموازنة وإعطاء كل جانب حقه من الوقت. ثم لا ننسى أن طلاب مدارس الثانوية الذين يعملون بدوام جزئي خلال الإجازات الصيفية يكون لديهم مستويات أعلى من الثقة في العمل من زملائهم ممن ليس لديهم خبرة في سوق العمل، لأن ذلك أكسبهم وفي وقت مبكر خبرات تعلم مهارات جديدة، مثل كيفية التعامل مع التوتر والتواصل مع الزملاء والرؤساء والعملاء في مجال العمل، هذا عدا شهادة الخبرة التي يطالب بها الكثيرون من أصحاب العمل ويشتكي من عدم امتلاكها الكثير من المتقدمين لهذه الوظائف.

وبما أننا بحاجة ماسة للباحثين والمخترعين في مجالات العلوم التطبيقية المختلفة، فأرى أن يتم بناء برامج تدريب صيفية تعمل على تنمية المهارات البحثية وتشجع على التفكير النقدي، ولنعطي مثلا هنا مراكز الأبحاث الخاصة أو التابعة للدولة أو التابعة لمشافي الدولة، حيث يمكن للطالب أن يتدرب تحت إشراف باحثين وأخصائيين في مجلات بحثية عدة، يعملون تحت إشرافهم يراقبون ويطبقون ورش العمل ويساهمون في النوادي العلمية من ندوات وعروض تكمل الخبرة البحثية مما تعلموه على مجال أوسع، وفي نهاية مدة التدريب يقدمون تقريرا شفهيا عن مشروع يتم تقييمه وتقويمه، ثم يسلم شهادة خبرة إضافة إلى مبلغ مالي رمزي يتسلمه عند إتمامه فترة التدريب حسب الشروط المسبقة من قبل الجهة البحثية، المهم هنا يكون الدعم المالي من قبل شركات خاصة تقدم مبلغا من المال يكفي لتوظيف عشرة طلاب أو أكثر يعملون مثلا لفترة أربعين ساعة أسبوعيا براتب 40 ريالا للساعة، وهنا بالطبع يحق للمؤسسة البحثية أن تضع شروط الاختيار والتوظيف ومدة التدريب، ويأتي دور الوزارة بأن تحول خبرة من أتم فترة التدريب بنجاح إلى ساعات معتمدة في شهادة الثانوية، وبهذا يحصل الطالب على خبرة وساعات دراسية وبالإضافة إلى مبلغ مالي.

أما بالنسبة لبقية المؤسسات والمتاجر والأسواق فيمكن أن تقدم برامج عمل جزئي لطلاب المدارس في الإجازات الصيفية وتحصل على تسهيلات من وزارة العمل تشجعهم على ذلك، أما دور وزارة التعليم فهو توثيق الخبرة وتحويلها لساعات دراسية تضاف لشهادة الطالب، هذا إضافة لاتصالاتها مع المراكز البحثية الجامعية والخاصة، والإدارات الجامعية لكي تستوعب عددا من طلاب المدارس الثانوية في أعمال صيفية، وتتراوح من المقاصف إلى البناء إلى أعمال السكرتارية إلى المراكز البحثية، وتستطيع هنا أيضا أن تتواصل مع تجار سوق العمل لتمويل مثل هذه البرامج، فبالنهاية سوق العمل هو أيضا من سيستفيد من ناتج تعليم عام مدرب يساهم ولا يكون عبئا عليه.

والآن بما أنه لا توجد برامج كهذه أو قد تكون موجودة لكن بحدود ضيقة لا نراها نحن كمجتمع، نستطيع نحن أولياء الأمور أن نبحث لأبنائنا عن وظائف صيفية مؤقتة براتب رمزي، والسوق واسع من حلقة السمك، الخضار، الأسواق التجارية، المكاتب، الشركات، والسوبر ماركت، الميناء، المطارات، الفنادق، إلى البنوك، وإن لم نجد نخلق لهم الوظائف في محيط الأسرة وندفع لهم رواتب على ذلك، المهم ألا نتركهم يتخرجون من المدارس دون خبرة مباشرة في سوق العمل، لنبدأ من الآن وأنا أؤكد لكم أنه في نهاية المرحلة الجامعية سوف يكون عند الابن سيرة ذاتية متنوعة من الخبرات ساهمت في صقل شخصيته وقدراته ومهاراته، والأهم من ذلك ثقته بنفسه وتحديد أهدافه، وفوق ذلك الأفضلية في فرص التوظيف.