إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك وانتهيت في آخر فكرتك باضمحلال جميع أحوال الدنيا.. إلى آخر كلام العلامة فيلسوف الأندلس ابن حزم، رحمه الله تعالى.

لا أخفيك أيها القارئ الكريم أن هذه العبارة استوقفتني كثيرا فجعلت أقلبها وأتبعها في بقية رسالته "مداواة النفوس"، ورغم ما ظهر لي من تفجر عقلية جبارة تفلتت عليها التجربة والتدبر لأحوال جرني لأن أتذكر من أحوالنا ما دعا للتأمل أيضا:

يعجبني - من بعض الدعاة - في حساباتهم خاصة السناب شات ما ينطلي على بعضهم العفوية والانبساط في اللهجة والنبرة واللباس، مما جعله ينخلع عن رداء المشيخة، والمنصب الرفيع، بحجة السمت والوقار!

لا أتهيب أن أقول إن لدى البعض منا وجهين أو قل قناعان، الأول مسفرٌ والآخر عليه غبرة!

فالأول للجمهور أو عامة الناس والآخر عند انسدال الصمت!

سيتسلل للبعض أني أرمي للمعصية إذا خلوت ساعة!

أبدا، فأنا أخاطب القناعات التي تخرج من أفواهنا ولا تعود.

وفي نفس استغراقنا لهذه القناعة لا نسوق أنفسنا أيضا مسوق إلى الكمال، ومشوق إلى الرفعة، فإنا نفرغ هذا الجسد من مطالب الروح ونصيبه في مقتل لا يندمل إلا بالنكوص على عقبيه.

فلنلتزم ما منّ الله به علينا من قناعات كريمة الخصال وواضحة الشهود على نفس زكية.

إذاً اخرج للناس شفافا لا يتوارى عنك وعن قناعاتك أحد عن أحد، فالإنسان الواضح مألوف غير ممجوج للنفوس، حتى وإن اعترضتك خصال سلبية لم تنزع عنها لضعف مجاهدتك لها أو لسطوتها في نشأة خلقتك فلا تُروضها الدهور إلا أن تموت معك.

....

قولوا لأولئك المتشدقين إن هذا الزمان لم يعد للقِناعات مزية.