كان من المعروف والمتوقع دائماً أن تثير الملفات التي تفتحها "الوطن" والتقارير والتحقيقات والأخبار عن إيران وداعش والانقلابيين والحوثيين والإرهابيين غيظ من تناولتهم ليس من باب الشوفينية أو الشعور بالعظمة، ولكن لأنها تقارير تستقي المعلومات من مصادرها الوثيقة، فجاسوسية الدبلوماسيين الإيرانيين كشفها أحد الدبلوماسيين الإيرانيين بالأسماء والمواقع والأوقات والمهمات والهياكل الدينية تأتي من مراكز الدراسات الإيرانية المستقلة، وغيرها من الموضوعات التي فتحت في ملف "إيران العقيدة والمذهب"، وكذلك الأمر في ملف "داعش عقيدة الدم"، وفي ملف الحوثيين والانقلابيين، وتقارير اغتيال صالح للرؤساء الثلاثة من شهود العيان والأشخاص الملتصقين بالقضية، بالإضافة إلى حديث مباشر مع قيادات الأطراف المختلفة من الحكومة الشرعية والحوثيين وقوات المخلوع.

وفي سبيل ذلك تعرضت "الوطن" لهجوم كبير إعلامي من هذه الجهات على القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو أمر متقبل وطبيعي في صناعتنا الإعلامية طالما أن المعلومات صحيحة، علماً بأننا لم ننشر كثيراً من التفاصيل الموثقة بالأدلة لأنها ترتبط بأشخاص يخشون على حياتهم، فقدمنا سلامة المصادر على السبق الصحفي، وهناك من صمت ولم يستطع الرد مثل كشفنا عن حملة صحيفة السفير وطلال سلمان على السعودية، واتهامنا بالدكتاتورية، وأخرجنا مقالاته وكتابه الذي يمجد فيه معمر القذافي، حتى كاد أن يوصله إلى درجة النبوة، ثم أخفاه بعد ذلك ولم يعد يشير إلى هذا الكتاب في كل السير الذاتية التي تتحدث عنه.

مثل هذا الهجوم نعتبره جزءاً من الصناعة الإعلامية التي ارتضينا أن نخوض غمارها وفق أخلاقيات المهنة، بصرف النظر عن اللغة التي تستخدم ضد الصحيفة، ثم تأتي المرحلة الثانية في محاولات التهديد المباشر أو المبطن بالرسائل الإلكترونية والجوال والمكالمات، ولم تهز قناعاتنا وأداءنا لأننا نعرف أن الصراخ على قدر الألم، ثم تأتي بعد ذلك محاولات الاختراق المختلفة للموقع برسائل السباب أو الفيروسات وحصان طروادة وغيرها، وتعودنا على التعامل معها وأصبحت جزءاً من المهام التقليدية للفنيين بالصحيفة.

الاختراق الأخير لموقع الصحيفة الإلكتروني ليس اختراقاً عادياً قام به مجموعة من الهاكر الغاضبين أو المستعرضين، وليس مجرد هاكر دفعه الحماس والتعصب لجهة أو اتجاه أو مذهب فاندفع انتصاراً لما يراه ويعتقده، وإنما كان عملا مؤسسيا منظما يسير وفق سيناريو معين وعزف أوركسترا لا يتم بعازف واحد أو عمل منفرد ومن أكثر من دولة، يوضح أن وراءه جهة وتفكيرا وتنظيما وعملا مرتبا.

بعض وسائل الإعلام كانت تسألني لماذا إيران؟ وهو سؤال طبيعي ومنطقي جداً، ولو كنت مكانهم لسألت نفس السؤال لأني من الذين يضيق صدرهم حين نضع إيران شماعة لكل شيء، أو نضع داعش خلف كل مصيبة أو الحوثيين خلف كل ألعاب نارية تنطلق، لأني أعلم علم اليقين أن إيران هذا العام ليست هي إيران السنوات الماضية التي تغولت في مفاصل كثير من مشكلات العالم العربي، سواء عن طريق دعمها المالي واللوجستي والتدريبي أو عن طريق وكلائها المحليين، إيران اليوم مثل الإنفلونزا التي نسميها مرض الرخوم، تخبث الخاطر وتشغل الجسم وتقرف المحيطين، لكنها لا تعد مرضاً قاتلاً أو خطيراً إلا لشخص فاقد المناعة وشديد الضعف.

نحن نعلم أن المخترقين ليس هدفهم إسكات الصحيفة كما تم إسكات كثير من الأشخاص ووسائل الإعلام في إيران والعراق ولبنان وغيرها، ولكنهم أرادوا إثارة البلبلة والوقيعة بمصداقية السعودية ومواقفها الواضحة والصادرة أمام العالم، عبر منبر معروف يتصدر دائماً نشرات أخبار التلفزيون ووكالات الأنباء، ويتصفح الناس موقعها من مختلف دول العالم، وتترجم ميمري في أميركا وغيرها العناوين اليومية لها، واستخدام هذا المنبر لنشر خبر مكذوب ومختلق عن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.

يسألني آخرون لماذا إيران وليس داعش؟ ونحن جميعاً في هذه الصناعة نعلم أساليب داعش الإعلامية وحساباتها ومعرفاتها ولغتها وطريقتها في نشر الأخبار والإشاعات والبيانات وغيرها، وما حدث دون الدخول في التفاصيل الكثيرة يوضح لنا لماذا إيران أو الموالية لإيران تحديداً.

الاختراق تم بهدوء في الساعة الخامسة فجر الخميس عبر الخادم، حيث لم يكن أحد يعمل وقتها، وفي الساعة التاسعة صباحاً تم وضع الخبر من الخادم إلى الموقع بهدوء أيضا وسط الأخبار بعنوان عادي، والسم في داخل الخبر، وبمجرد وضع الخبر تناوبت حسابات تويتر لأشخاص معروفين موالين لإيران من لبنان والكويت ولندن بشكل منظم ومدهش، وتم تصوير الشاشة مباشرة بالخبر مع أننا قمنا بتعليق الموقع مباشرة بعد اكتشافنا للاختراق لحين الانتهاء من استرجاع الخادم، فيقوم أحدهم من لندن بنشر الخبر المكذوب منسوبا لـ"الوطن" مع الصورة، وتقوم مجموعة بإعادة تغريدها، ويقوم واحد من هؤلاء بإضافة كلمة أو تعليق، ويغرد بها من جديد، ثم تقوم المجموعة مرة أخرى بإعادة التغريد في سلسلة موجودة ومتاحة حالياً على تويتر، ويأتي أحدهم مباشرة وقبل انتشار الخبر من جهتهم ليغرد أن "الوطن" سوف تأتي وتدعي أن الموقع اخترق وتنفي الخبر، ويا ليته انتظر قليلا حتى تكون الحبكة قابلة للتصديق، ولكن كان المريب أن يقول خذوني، وكنت أقول للزملاء انتظروا قناة العالم الإيرانية ستغرد بالخبر، وفعلاً غردت بعدها بوقت قصير، وهذا المتوقع أيضا من جريدة الأخبار اللبنانية، حيث صنعت منه قصة تصلح لفيلم أميركي طويل، وللعلم جريدة الأخبار اللبنانية مثل السفير ممولة من أشخاص مقربين من حزب الله وإيران، ورئيس تحريرها إبراهيم الأمين المقرب من نظام بشار الأسد وحزب الله، وكان النظام يدعم الجريدة في وقت سابق، وهذا ما جرى أيضا من مغرد لا يكتفي بالاصطياد في الماء العكر ولكنه اعتاد أن يعكر الماء ليصطاد فيه.

إن تجربة الاختراق أثبتت لنا أننا سائرون في الطريق الصحيح، وأن حقائق "الوطن" تغيظ أعداء الوطن، وكمية المساندة التي جاءت من مختلف الشركات والمؤسسات التقنية التي تفضلت مشكورة بالتبرع بكل خدماتها وفنييها، وحتى مجموعة من الهاكر الذين لا نعرفهم أرسلوا رسائل يجندون فيها كل خدماتهم لاستعادة الموقع، وبعض الشباب المتخصصين في أمن المعلومات من المبتعثين والخريجين قدموا خدماتهم المجانية دعماً للصحيفة من جهة وانتصاراً للوطن الكبير ضد نشر الأخبار المختلقة عن رموز الوطن وقياداته، بهدف إثارة البلبلة في الخارج فقط، أما الداخل فالأمر عصي وبعيد عليهم، ومع أننا كنا نتوقع هجوماً إعلاميا مضادا الخميس الماضي بعد أن نشرنا على الصفحة الأولى أن مدن الشرقية نعمت بالهدوء من المحاولات الإرهابية بعد إعدام 47 إرهابياً قبل 5 أشهر، وأحكام الأربعاء تزيد الأمن أماناً والهدوء طمأنينة لكن الخبر المكذوب لم يكن ضمن توقعاتنا.

ستظل صحيفة الوطن صوتاً صادقاً للوطن الكبير، وعونا أمينا لقادة هذه البلاد، وداعماً لتوجهاتها وسياساتها، وجندياً مخلصاً في الدفاع عن حياضها، مع شكر الصحيفة بكل كوادرها لكل من ساندوها قولاً وأداء ومشاعر من الزملاء والإخوة والقراء في الداخل والخارج.