"زمن الطيبين" مصطلح شاع للإشارة إلى الزمن الماضي الزاخر بالعديد من المظاهر الاجتماعية الرائعة، والعلاقات الطبية والأخوية بين الجيران، وكأن هذا الزمن ونحن نتباكى عليه، لن يعود، إلا أن الحاضر ما زال جميلا في بعض الأحياء، بأهله الذين يبرهنون أن جمال الأزمان مرتبط بالناس الطيبة أينما وجدوا وفي أي وقت.
حي النهضة في مدينة جدة نموذج حيّ لذلك. نلتقي في جامع "المفلحون" ليس لقاءات نؤدي فيها الفروض فحسب، وإنما يعرف كل منا الآخر باسمه وشخصه، ونلتقى في ديوانية الجامع بعد صلاة الجمعة، نتعرف على أحوال بعضنا بعضا، ويستضيفنا أحد الإخوة الأفاضل في منزله مرة في الأسبوع تقريبا، ولدينا "قروب واتساب" نتواصى فيه بالذهاب لحضور عزاء جار فقدَ عزيزا، ونتشارك في فرحة جار آخر ونتلقى الدعوة لحضور حفل زفاف ابن أو ابنة جار، وهكذا.
النساء أيضا في الحي يجتمعن لمحاضرة في الجامع، ويتزاورن فيما بينهن، والكبيرات من الأمهات لهن مدرسة شرعية في الجامع، تساعدهن وتشجعهن على حفظ القرآن الكريم ومراجعته، وهي فرصة يتعارفن ويلتقين ببعضهن.
العمال الأعزاء من السائقين وعمال النظافة وغيرهم. توضع لهم مائدة الفطور الصباحي كل يوم بعد صلاة الفجر شاملة السندويتشات والمشروبات، وفي رمضان المبارك تمد سفر الإفطار الجماعي في الجامع، ويلتقي أهل الحي في لقاء إفطار رمضاني، وفي عيد الفطر يتبادل الناس التهاني ويجتمعون للعشاء سويا، ويتشارك الأطفال الهدايا وتقدم العيديات للعمال.
"المفلحون" يمثل مركزا حضاريا واجتماعيا في الحي، يقوّي الروابط الاجتماعية، ويزيد من الترابط بين الجيران، في وقت يشكو كثيرون من أنهم لا يعرفون جيرانهم في الدور التي أمامهم.
ضربتُ مثلا بحينا، وبهذا الجامع الرائع، بإمامه الشاب فضيلة عساف العواجي، وبالمحرك والقائد الاجتماعي كابتن طيار نبيل صادق، الذي يحرص على تذكيرنا بالزيارات والمبادرات، والرائع أيضا بأبناء وأهل الحي جميعا الذين يحرصون كل الحرص على هذا المنجز الاجتماعي المميز.
هذا النموذج الرائع لا بد أن تكون هناك أمثلة له هنا أو هناك. تبرهن أن الطيبين ما زالوا أحياءً، وأن "زمن الطيبين" ما زال موجودا وحاضرا وواقعا في حياتنا متى أحببنا أن نحييه ونجسده.