أعد نائب القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ريتشارد شيرف، كتاباً يحمل عنوان "2017: حرب مع روسيا"، وإذا كان الإصدار الجديد يتحدث عن شيء أشبه بالخيال، فإن الصراع بين الناتو وروسيا مطلع العام المقبل ليس أمراً خيالياً.
عندما شنت روسيا هجوماً ضد أوكرانيا عام 2014، فإنها أيضاً شنَّت هجوماً على نظام الأمن الأوروبي القائم على معاهدة "هيلسنكي". وبدلاً من هذا النظام، يدعو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إحياء "نظام يالطا" القائم على احترام مناطق النفوذ، وأثار بوتين مسألة حدود روسيا التاريخية، وبدأ يروِّج للحق في الدفاع عن ذوي الأصول الروسية في الخارج.
وإذا كانت المعاهدات والاتفاقيات لا تحظى بقدسية لدى الكرملين، فلماذا تظل حدود الناتو مقدسة؟ تساؤل منطقي يطرحه حلفاء الناتو سواء في جمهوريات البلطيق أو في تركيا. مصدر القلق لدى هؤلاء الحلفاء يتمثل في ما يرونه من تطورات عسكرية تكتسي أهمية تضاهي ما يدور من تطورات سياسية.
بدأ الاهتمام بهذا الأمر منذ الحرب الروسية ضد جورجيا عام 2008، ثم بدأت موسكو تستثمر قدرتها في شن حروب محلية وإقليمية داخل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وهذا يتضمن حروباً تقليدية وغير تقليدية وحرب معلومات وحروب الفضاء الإلكتروني، وحسب المنطق الروسي تأتي أهمية هذه الحروب في مواجهة تطويق الغرب لروسيا. والدول الواقعة على أطراف روسيا ستربح بالانخراط الغربي في هذه المنطقة، كون هذه الدول تتعامل مع التهديدات الخارجية وفق المنظور الروسي.
وينظر الكرملين لتوسع الناتو شرقاً، وتوسع رقعة الاتحاد الأوروبي والثورات الملونة في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ومساعي تغيير الأنظمة، على أنها خطوات تصعيدية بلغت ذروتها ضد روسيا، ووفق هذا المنظور سيكون من العبث التساؤل عن حقيقة السياسة الروسية، هل هي دفاعية أم هجومية. دول البلطيق مهددة سياسياً وتهدف السياسة الروسية إلى إقناع هذه الدول بأنها سواء ظلت داخل الناتو أو خارجه أو ضمن الاتحاد الأوروبي أو بعيداً عنه فإنها تظل في منطقة رمادية، فالمجموعات الروسية التي لديها القدرة خلال 60 ساعة فقط على احتلال "ريجا" عاصمة جمهورية لاتفيا، أو "تالين" عاصمة أستونيا، أداة للضغط يمكن تطبيقها على أرض الواقع وإلى أن يتخذ حلف شمال الأطلسي خطوات لتحقيق التوازن العسكري، ستواصل موسكو استخدام الخوف سلاحاً للحد من النفوذ السياسي للغرب. والتحدي الذي يتعيَّن على الناتو مواجهته يتمثل في إقناع روسيا بأن وقوع أي حرب معناه اندلاع حرب شاملة، وفي هذه الحالة ليس ضرورياً منع موسكو من الانتصار في البلطيق، بل منعها من تحقيق انتصار سريع في هذه الجمهوريات السوفييتية السابقة.