المتتبع للطروحات المتعلقة برؤية المملكة العربية السعودية 2030 منذ الإعلان عنها وموافقة مجلس الوزراء عليها يلاحظ كثافة التحليلات والمناقشات والحوارات حولها. والملاحظ أيضا أن المتفائلين بتحقق هذه الرؤية هم الأكثر مع وجود مشككين وآخرين في الوسط. لكن النظرة الموضوعية والواقعية تقتضي القول أولا: إن التقدم، أي تقدم، وفي أي مجال لا بد أن يسبق برؤية. ثانيا: العصر يقتضي التحرك بفاعلية كبيرة وخطوات واسعة وبمشاريع ضخمة. ثالثا: عدم وجود رؤية معناها البقاء في نفس المكان الذي نحن فيه. هذه العوامل الثلاثة تبرر وجود رؤية طموحة بهذا الحجم. ورأي المتفائلين معروف ومبرر، لكن لماذا يشكك البعض ويتردد آخرون؟

المصدر الأساسي للمشككين وكذلك الذين يقفون في الوسط مصدره ضخامة التطلعات التي تحملها الرؤية وضخامة مشروعاتها وطموحها المتناهي البعد الذي ينهي الاعتماد على البترول كمصدر وحيد للدخل عام 2030. حيث يقول هؤلاء كيف يمكن أن نقفز من الاعتماد على البترول بنسبة 90% في نهاية خطة الرؤية؟ هذا طموح عال ومن المنطقي أن يحضر هذا التساؤل. غير أني لا أتفق معهم مهما كانت مبرراتهم، حيث العصر الذي نعيش فيه يتطلب رؤى بعيدة وجهودا كبيرة ومشروعات طموحة. وقد يكون الأمر صعبا لكنه ليس مستحيلا. الأمم تتقدم عندما تكون لها رؤية واضحة وطموحة، وأي رؤية من هذا النوع لا بد أن تكون صعبة ويعترضها كثير من المعوقات. ولا بد لرؤية من هذا النوع أن يكون لها من يعارضها.. ربما بحسن نية، وربما بجهل.. فقد رأينا الكثيرين يتحدثون عن رؤية المملكة 2030 ولم تكن لديهم أبسط الأدوات للتحليل أو الاختصاص، لكن نقول إن لديهم الحق من مبدأ المواطنة وليس لديهم الحق في اتخاذ قرار النجاح أو الفشل. أفضل الآراء التي تم استعراضها هي التي تقول إن الرؤية طموحة جدا وتنقل البلاد إلى مستويات اقتصادية أفضل يمكن بواسطتها الاستغناء عن البترول كمصدر دخل وحيد للاقتصاد السعودي، ولو تحقق من الأهداف نصفها لكان ذلك مكسبا كبيرا. ولو امتد وقت تحقق الرؤية 5 سنوات -مثلا- بعد 2030 لكان ذلك أيضا إنجازا، خاصة إذا استطعنا توظيف عدد كبير من الشباب في قطاعات صناعية ومهنية ووظائف منتجة، وتم إحلالهم مكان الأيدي الوافدة. هذه أفضل الآراء التي سمعتها لأنها آراء واقعية. فلا بد أن نفعل شيئا يمكننا من مجاراة العصر وتوقع المشكلات القادمة والاستعداد لها. أليس هذا أفضل من مجرد النقد والتنظير والبقاء كما كنا حتى نفاجأ بمشكلات لا نستطيع حلها؟

الرؤية المطروحة طموحة جدا، لكنها تتطلب ثقافة ووعيا يستوعبان تطلعات الرؤية وأهدافها. لا بد من الارتقاء بمستوى فكر المواطن لمستوى الرؤية حتى يفهمها. لا يستطيع أي فرد إنجاز عمل بالمستوى المأمول ما لم يلم به. إذا لم يلم بجزئيات العمل فإنه سيكون جزءا من المشكلة بدلا من أن يكون جزءا من الحل.

لعلنا ندرك أن أهم معوقات المشروعات هم أناس لم يكونوا جزءا من الحل في تنفيذ تلك المشروعات، بل على العكس ربما كانوا سببا في إعاقتها، والرؤية هي بالدرجة الأولى مشروعات اقتصادية. الرؤية تتمتع بمزايا تؤهلها للنجاح، ومن أولى تلك المزايا وقوف القيادة على أعلى مستوى خلفها بعد الله. وهذا شيء في غاية الأهمية، لكننا يجب ألا ننسى أنه لا بد من مشاركة الجميع، خصوصا الموظفين والمسؤولين التنفيذيين. لا بد من ورش عمل وبرامج تدريب وجهود كبيرة لرفع مستوى فكرهم إلى مستوى طموحات وأهداف الرؤية حتى نضمن أنهم استوعبوا كل جزئياتها التي تخصهم. وآلية عمل ذلك أن تقوم كل وزارة بعمل ذلك فيما يخص الجزئية التي تهمها في الرؤية. أي أن تقوم كل وزارة بعقد دورات وورش عمل لمنسوبيها في كل ما يخصها من الرؤية بتعليمات واضحة ومحددة لبيان دور هؤلاء المنسوبين وكيف يتصرفون حيال مشروعات الرؤية والوقت المحدد للتنفيذ، ووضعهم في خانة المسؤولية والمساءلة إذا اتضح للوزارة أنهم سبب التعطيل أو التأخير في الإنجاز.

لا بد أيضا من مراقبة دقيقة لكل العاملين في الوزارات حسب الاختصاص، ومعرفة كيف يتصرفون في كل جزئية تخص هذا المشروع الوطني.

إذن الرؤية ترتكز على الإنسان أولا وأخيرا. إذا فقدنا قدرة الإنسان على استيعاب الرؤية فسنفقد مشاركته بالمستوى الذي نطمح إليه لتحقيق أهدافها وتنفيذها في الوقت المحدد.