في مثل هذا التوقيت من كل عام تصل أزمة العمالة المنزلية إلى ذروتها، وتنشط السوق السوداء محققة أرباحا طائلة من وراء المتاجرة بحاجات المواطنين لهذه العمالة، خاصة مع قرب شهر رمضان وكثرة الأعباء المنزلية على الأسر، وتحديدا من تكون فيها ربة المنزل موظفة، حيث يصعب عليها الإيفاء بالالتزامات الوظيفية والمنزلية، مما يجعل فرصة الحصول على خادمة مكسبا ثمينا تدفع لأجله مبالغ كبيرة وبإذعان تام. هذه المشكلة ليست بالجديدة بل ملفها مفتوح للنقاش منذ أعوام دون الوصول إلى حل وسط يرضي الأطراف المتضررة أو يحمي المواطنين من المحتكرين لهذه الفئة من العمالة، وبطريقة غير نظامية، بل فيها تجاوزات عديدة، من أكثرها ضررا تشجيع الخادمات على الهرب من منازل مكفوليهن واللجوء إلى سماسرة العمالة المخالفة، وهم بدورهم يستغلون الأطراف جميعها لتحصيل الأرباح وينشطون أكثر في أوقات الاحتياج الشديد لها.

الغريب أن مثل هؤلاء يمارسون تجارتهم في العلن ودون الخوف من العقاب الذي حدد سابقا بالسجن والغرامة لمن ثبت تستره على المخالفين لنظام الإقامة أو الهاربين من كفلائهم، ونشطت الجهات المعنية بمكافحة الأمر فترة بسيطة ثم توقفت الحملة ليعود الوضع أسوأ مما كان عليه، فالعمالة المخالفة عادت للتجمهر والتجول في الشوارع والأحياء وتجاوز خطرها المتاجرة بها إلى ما ترتكبه هي من أفعال وصلت حد ارتكاب جرائم قتل وسطو على المنازل وترويج للمخدرات، وقبل فترة وجد منهم من ينتسب إلى تنظيمات إرهابية كـ"داعش".

ولن نبالغ إن قلنا إن خطرها -إن ترك دون معالجة- يماثل خطر التنظيمات الإرهابية، بل ويفوقها في شمولية الجرائم جميعها، وبعض الدراسات التي عملت خلال الفترة الماضية حول هذه الظاهرة وضحت مخاطرها، وحتى المدن التي تتمركز فيها ونوع الجرائم المرتكبة وعددها من خلال إحصائيات رصدتها عن قرب، وإن ساعدت طبيعة المدن وكثافتها السكانية على تخفي هذه العمالة عن رجال الأمن فإن المناطق الحدودية هي الأخرى تشهد تواجد هذه الفئة، وذلك من خلال دخولها غير المشروع عبر الحدود واختبائها في الأودية والجبال لتنتشر متى ما أتيحت لها الفرصة، متجاوزة جميع العقبات للوصول إلى المدن الكبيرة، ولن نغالي إن قلنا إن هناك أحياء سكانها بالكامل من العمالة المخالفة، ومكافحتها والقضاء على خطرها مسؤولية مشتركة بين المواطنين والقطاعات الأمنية، والخطوة الأولى في المكافحة تبدأ من خلال التبليغ عن الأشخاص المتاجرين والمحتكرين لهذه العمالة وعدم التعامل معهم مهما بلغت حاجاتنا، لأن أمن الوطن واستقراره هما الأهم.