من الصعب ا?ن نتخيل ا?ن ا?سعد دولة في العالم في زمننا هذا تقع في جنوب ا?سيا حبيسة ومنسية بين ضباب مرتفعات جبال الهيمالايا، حيث لا يمكن الوصول ا?ليها ا?لا عن طريق وجهتين فقط، وقانون الدولة لا يسمح ا?لا بزيارة عدد محدود من السياح كل سنة.
الحياة في مملكة بوتان ا?و كما تعرف بلغتهم "بلاد التنين والرعد" خرافة واقعية وكا?نها خرجت من كتب الأساطير. بالرغم من جمال طبيعة هذه الدولة فا?نها ا?بعد ما تكون عن تخيلاتنا الشنجرالية النمطية للدول الآسيوية، لا يعترفون بالترف، ونادرا ما تكون مشمسة وتكسوها الثلوج على مدار السنة.
وكسائر الدول في هذه المنطقة، تعد مملكة بوتان من الدول غير المتطورة، ووفقا لتقرير البنك الدولي الذي تعتمد دراستهم على الناتج المحلي لكل فرد فا?نها تعد من ا?فقر دول العالم وتمثل ا?قل من 0.01% من اقتصاد العالم، ولكن ما السر وراء تصنيف شعب هذه الدولة با?نهم الأسعد في العالم؟
في بداية السبعينات كان يعي ملك بوتان با?ن للإنسان تا?ثيرا كبيرا على البيئة وعلى محيطه، وكان ا?يضا مقتنع با?ن مطلب الإنسان هو السعادة، وا?نه لا يجب ا?ن يكون مقياس تطور الدول على حسب الناتج الإجمالي لكل فرد. تحدى الملك الحوار الما?لوف عن نظريات التطور بتبنيه مفهومه السياسي المبتكر الذي يضع ا?جمالي السعادة المحلية لكل فرد الهدف الأساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية عوضا عن الاعتماد على ا?جمالي الدخل المحلي لكل فرد الذي هو المقياس العالمي للتطور. وتطور المفهوم لتصبح الأعمدة الأساسية لإجمالي السعادة المحلية لكل فرد كالتالي: التنمية المستدامة، المحافظة على المبادئ، الثقافة، والمحافظة على البيئة.
وعندما يا?تي الأمر عن السعادة ما الذي يعرفه البوتانيون ولا نعرفه؟
خلال العقود الثلاثة الأخيرة استنكرت دول العالم هذا المفهوم السياسي المبتكر، ولكن اليوم وبعد انهيار الاقتصاد العالمي وظهور الفقاعات واحدة تلو الأخرى جذب هذا المفهوم الأمم المتحدة، حيث تبنت سياسة ا?جمالي السعادة المحلية لكل فرد ونشرت تقرير مو?شر السعادة العالمية لتحقيق الدعائم الثلاث نحو اقتصاد مستدام: التنمية المستدامة والرفاهية الاجتماعية والمادية وسلامة الفرد والبيئة وناشدت الدول لتبني هذا المفهوم السياسي المبتكر.
وعلى الصعيد العالمي والإقليمي، قامت دولة الإمارات با?نشاء وزارة تسمى بوزارة السعادة تهدف ا?لى ا?عادة رسم هوية الدولة. علما با?ن محافظة المجمعة في المملكة سبقت العالم با?نشائها مركزا للسعادة لتحقيق نفس الأهداف لسكان المحافظة. وبما ا?ننا في فترة انتقال من زمن الماديات ا?لى ما بعد الماديات حيث القيمة المادية للخدمات والمنتجات ستعتمد بشكل كبير على المعنى فا?ننا نمر بمرحلة ا?عادة تعريف التوجهات الاقتصادية. وحيث ثقافة الامتلاك ستنتهي لتحل مكانها ثقافة جديدة تشيّد على التغيير والانتقائية فيجب ا?ن نعيد تعريف ما هو قيم وفقا لاتجاهات المعايير الثقافية الواضحة للمستقبل، وكي نزدهر اقتصاديا واجتماعيا يجب ا?ن نضع حجر الأساس للعصر المفاهيمي المقبل با?ن نبني ركائز اقتصاد الفكرة والإبداع وننميها، فا?ن القيمة المعنوية من ا?ساسيات الاقتصاد التنموي ومفاهيم هذا العصر.