أهم التحديات التي واجهتها الصين لتحقيق النجاح في نهضتها الاقتصادية هو بناء البنية التحتية، خاصة في مناطق الغابات والمناطق الزراعية والريف التي تحوي 600 ألف قرية، حيث استثمرت الحكومة الصينية لتأسيس البنية التحتية فيها منذ عام 2003 أكثر من تريليون دولار. عبدت الطرق، وأدخلت الكهرباء والماء والإنترنت، مما يعني أن هذه القرى والمناطق البعيدة مهما قل إنتاجها أو كثر فإنها تستطيع نقله وبيعه، وهو ما شجع وجذب المستثمرين إلى تلك المناطق فنشأ فيها عدد كبير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي تحقق عدد أكبر من الوظائف، وتحقق دخل أكبر للسكان ورفع مستوى تنمية الاقتصاد الصيني بنسبة تفوق 6.5% كل عام.

توجد عدة تجارب دولية ناجحة في مجال النهضة الاقتصادية، كلها دون استثناء لم تغفل أهمية دور البنية التحتية في تحقيق نهضتها. من أهم الأساسيات التي يجب علينا في السعودية العمل عليها لتحقيق رؤية 2030 هو وضع حد لما تعانيه معظم مناطق المملكة من نقص شديد في وصول البنية التحتية من شبكات الصرف الصحي والماء والكهرباء والاتصالات، والحد من الهجرة الجماعية إلى المدن الرئيسة التي هي من الأساس لا تحتوي على بنية تحتية متكاملة، ولم تستعد وتخطط لاستقبال هذه الأعداد المتزايدة كل عام من الباحثين عن عمل والذين بالطبع يبحثون عن مسكن ومن ثم استخدام البنية التحتية المتهالكة من جراء غياب التنسيق بين الماء والكهرباء والاتصالات والطرق حتى أصبحت مدننا عبارة عن حفريات وتحويلات، ولا نكاد نفرح بردم حفرية رغم العيوب التي تخلفها في الطريق حتى نجد جهة خدمية أخرى بدأت بالحفر في ذات المكان بحجة توصيل ماء أو كهرباء أو غيره لمنزل جديد.

المملكة العربية السعودية تتمتع بمساحة شاسعة تحوي العديد من المدن الصغيرة والمحافظات والقرى والهجر المتفرقة في تضاريس متعددة، منها الجبلية والساحلية والصحراوية، وحتى الآن تعاني نقصا كبيرا في البنية التحتية، مثل ربطها بالطرق العامة والسكة الحديد والنقل العام وشبكات الطيران الداخلي والدولي وخدمات البريد والاتصالات والإنترنت وشبكات الصرف الصحي والماء والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية والتأمين الاجتماعي والطبي، وغيرها من الخدمات التي هي أساس لأي تنمية اقتصادية، والتي أثبتت كل بيوت الخبرات العالمية والتجارب الاقتصادية الناجحة لدول مثل الصين وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان وغيرها، أن اهتمامها بالبنية التحية هو أساس نهضتها ونموها الاقتصادي.

وكمثال بسيط على أهمية البنية التحتية في نمونا الاقتصادي دعونا ننظر إلى مجال التجارة الإلكترونية في السعودية، فرغم أهميتها لأن نواكب التطور التجاري في العالم إلا أن تجارتنا الإلكترونية قاصرة بسبب ضعف البنية التحتية، فلو اشترى شاب يسكن في قرية من إحدى قرى القريات منتجا إلكترونيا من إحدى الشركات في الرياض فتخيل معي الطريقة الممكنة لإيصال هذا المنتج من الرياض إلى العميل، سنجد أن الطريقة الوحيدة المتاحة هي إرسالها عبر شركات البريد المرتفعة السعر التي ترسل الطرد العادي والعبارة عن ورقة واحدة بما  لا يقل عن 200 ريال، فكيف بمنتج إلكتروني، كم ستكون تكلفة إرساله؟! إذاً بسبب هذه التكاليف سيفضل هذا الشاب أن يستقل سيارته ويذهب إلى القريات التي تبعد عن قريته مسافة 30 كلم لشراء المنتج الذي يرغبه، موفرا على نفسه عناء انتظار المنتج، وتكاليف إيصاله التي سبب ارتفاعها الأساسي غياب البنية التحتية التي تمنع إيصال البريد بأقل التكاليف. هناك العديد من الجوانب الاقتصادية المهمة غير التجارة الإلكترونية التي يمكننا استثمارها في السعودية لو توافرت البنية التحتية المتكاملة.

إيجاد وزارة للبنية التحتية أصبح ضرورة يتطلبها واقع النقص الشديد في البنية التحتية في السعودية ويكون من مهامها الرئيسة وضع استراتيجيات لسرعة تنفيذ مشاريع البنية التحتية التي يقدر الحقيقي منها من عام 2008 إلى عام 2016 بمبلغ 150 مليار ريال، ومن المتوقع أن يصل إلى 750 مليار ريال عام 2020، وأن تعمل هذه الوزارة المقترحة على وضع حلول جذرية للمشكلات التي خلفها غياب التنسيق بين الجهات المقدمة للخدمات، وإيجاد الفرص الجاذبة والملائمة للمناطق النائية لأن يستفيد المستثمرون من البنية التحتية فيها، مما يفتح المزيد من المشاريع المتوسطة والصغيرة، لما فيه من مصلحة لسكان تلك المناطق، ورفع نسبة التوظيف والدخل المادي لهم، والحد من هجرتهم إلى المدن الرئيسة، وتحقيق أهداف بناء مشاريع البنية التحتية، مما يحقق ارتفاع نسبة نمو الاقتصاد الوطني حتى ننجح في تنفيذ رؤيتنا التي رسمناها لعام 2030.