وأخيرا بريطانيا خارج المنظومة الأوروبية، بقرار شعبي وضع حدا لهذه التجربة السياسية.

إنه الغرور الإنجليزي الذي سيظل متشبثا بقناعاته التي تقول إنه الأول والآخرون خلفه.

التاريخ الإنجليزي مليء بالتناقضات في المواقف والرؤى، ولكنها في النهاية تنسجم والسياسات الإنجليزية الخالصة التي تصنع الفعل وتدشنه، ليصبح حاضرا ومستقبلا للأمم المغلوبة وشعوبها، كل هذا يكون دون أن يظهر الشبح الإنجليزي على ساحة الحدث، وإن ظهر فمن الصعب أن تدينه، لأنه كالمجرم الذكي الذي يتحرر من كل الأخلاق الإنسانية، ولكنه في الوقت نفسه يعرف القانون جيدا، ويعرف ما له وما عليه!.

أثبت التاريخ أن الإنجليز من أكثر شعوب العالم قدرة ودهاء على رسم الخرائط ومناطق النفوذ. الإنجليزي بطبعه من أكثر البشر قدرة على إعادة إنتاج التاريخ وتقديمه في صور من الأزمات والصراعات وبؤر التوتر. الإنجليزي سياسته شاعرية وشعارية، وفيها أبعاد قومية وعرقية تستسيغها الأقليات والجماعات، وتشكل منها وبها مانفستو الخلاص والتشكل والبقاء.

وبالعودة إلى الطلاق الذي حصل بين بريطانيا وأوروبا، نجده ينسجم مع الطبيعة الإنجليزية، وطبيعة تلك العلاقة التي كانت فيها بريطانيا على الأغلب صاحبة العصمة، فالإنجليز -من وجهة نظري- لم يدخلوا هذا الاتحاد ليبقوا فيه، بل كان دخولا من أجل التأثير وصناعة ظرف سياسي يعجل بزوال هذا الاتحاد!

بريطانيا ما زالت عضوا في الناتو وتحت الوصاية الأميركية، وفى الوقت نفسه كبيرة في أوروبا ووصية نفسها، ومع ذلك تخرج من هنا وتبقى هناك، كل ذلك وفق قواعد الديموقراطية وأدواتها!.

دهاء إنجليزي، وإن بدا فيه شيء من التناقض، فإنه ما زال يرسخ مفهوم الأسطورة السياسية لهذا الكيان، وقدرته على الثبات وفق مصالحه القومية الاستعمارية، والقائمة على النزعة الاستعلائية، وما يقتضيه ذلك من سياسات ترتكز على الوسيلة القديمة المتجددة "فرّق تسد".