المواسم لا تأتي فجأة.. مواعيدها معروفة ومحددة.. لكننا بثقافتنا نتعامل معها كالغافل الذي للتو تنبه إلى شيء ما فجأة! شهر رمضان الكريم سيحل علينا بعد أيام، ومع هذا تدهش عندما تشاهد الأسواق ومحلات المواد الغذائية تمتلئ بالمتسوقين قبل أيام قليلة من دخول الشهر، في حالة شراء محمومة لكل ما تحتاجه الأسرة وما لا تحتاجه من أغذية وأوان منزلية تسبقها حملة شرسة من الإعلانات التجارية من المواد الاستهلاكية والتخفيضات والعروض، تزاحمها بطبيعة الحال إعلانات عن المسلسلات والبرامج التلفزيونية بعرض مثير في ظاهرة غريبة تشعرك وكأن هذا الشهر الفضيل ليس إلا للأكل والشرب ومتابعة الفضائيات، وليس شهر عبادة وموسما لمضاعفة الأجر والمثابرة كما جعله الله عز وجل، وكأن الناس طوال السنة محرمون من التمتع بملذات الأكل والشراب ومعزولون عن مشاهدة القنوات التلفزيونية.

إن الانسياق في خضم هذه الظاهرة يفرغ الشهر الفضيل من معانيه الروحانية والصفاء الإيماني وقيم التسامح مع النفس، واستثمار تلك الأيام المعدودة بمضاعفة الحسنات والتواصل الاجتماعي وصلة الأرحام التي بتنا نتباكى عليها وعلى وهنها دون أي فعل إيجابي يعززها ويقويها.

وللأسف حتى مستوى الأداء العملي في رمضان تنخفض وتيرته بشكل ملحوظ نتيجة سلوكيات وعادات يفترض أن شهر الصوم بريء منها، بينما المنطقي والمفترض أن تزداد الإنتاجية والعطاء في هذا الشهر الكريم باعتبار الصوم صحة وتخفيفا من وجبات وعادات تستهلك طاقات الجسم، فضلا عن كون العمل بحد ذاته عبادة يؤجر عليها الإنسان.

لذلك فنحن أحوج ما نكون إلى مراجعة وتصحيح بعض عاداتنا الخاطئة وممارساتنا المشوهة في الشهر الفضيل، مثل حاجتنا أيضا إلى تعزيز وتصحيح ثقافتنا الزاخرة بالفوضى في التعامل مع كثير من المواسم.