يلتئم غدا في القاهرة مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في اجتماع استثنائي بدعوة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبحضوره، لمناقشة مبادرة السلام المصرية، بالإضافة إلى الدعوة الفرنسية لمؤتمر دولي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك في الثالث من يونيو القادم، والذي سيحضره العديد من وزراء الخارجية العرب والدوليين والإقليميين، ومنهم وزير الخارجية الأميركية جون كيري الذي تردد في البداية ثم أكد بعد أن طلب تأجيل الاجتماع ثلاثة أيام، من 30 مايو إلى 3 يونيو.

نشطت الدبلوماسية الفرنسية باتجاه المنطقة منذ زيارة الرئيس الفرنسي هولاند إلى القاهرة، وهي الدولة العربية الموقعة على معاهدة سلام مع إسرائيل، وتبعتها زيارة رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية إلى القاهرة في فبراير الماضي ولقائهم الرئيس السيسي. وهذا ما دفع الرئيس المصري إلى إطلاق مبادرته بدعوة إسرائيل إلى استكمال عملية السلام التي بدأت بكامب ديفيد واتفاقات السلام المصرية الإسرائيلية، محاولا إقناع إسرائيل بأهمية السلام للجميع. وقد لاقت هذه الدعوة المصرية تأييدا من زعيمي المعارضة الإسرائيلية حاييم هرتزوج وأيضا تسيبي ليفني، ولم يعارضها علنا نتنياهو في البداية. كما علم أن ممثل الرباعية الدولية طوني بلير كان قد قام بزيارات مكوكية بين إسرائيل والقاهرة، وأنه كان ينتظر توسيع الحكومة الإسرائيلية لتضم المعارضة من أجل الدخول في مفاوضات العملية السلمية.

هنا جاءت استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي إيجال يعالون تمهيدا لدخول حاييم هرتزوج زعيم حزب العمل المعارض مكانه، فكانت النتيجة استبداله بأفيدور ليبرمان اليميني المتطرف من حزب "إسرائيل بيتُنا". واعتبر هذا التعيين بمثابة رسالة واضحة من نتنياهو برفض عملية السلام. والمعروف أن ليبرمان هو روسي يهودي، وكان قد هدد بتدمير السد العالي وإغراق مصر كلها، وطرد عرب 48، مما يعني تعزيز التعاون بين نتنياهو والروس، وبالذات في سورية بعد التنسيق الدقيق بين القوات الروسية والإسرائيلية والإيرانية.

زار رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إسرائيل والمنطقة هذا الأسبوع، وهو الصديق القديم لإسرائيل والمعروف بمواقفه التاريخية معها، خصوصا رفضه موقف فرنسا بالاعتراف بفلسطين دولة في اليونيسكو. فكان رد إسرائيل على هذا الصديق هو رفض نتنياهو المبادرة الفرنسية واستبدالها بمفاوضات ثنائية مع محمود عباس في باريس، أي العودة إلى إضاعة الوقت. وطبعا نتنياهو لا يريد أن يحرك أي شيء في المنطقة قبل الانتخابات الأميركية، وهو لا يجد مبررا لتقديم تنازلات لأوباما الرئيس الذي انتهت ولايته، وهو يشبه بذلك موقف إيران مما تبقى من ولاية أوباما.

في 3 يونيو سيلتئم الاجتماع الدولي في باريس ويعيد تحريك الموضوع الفلسطيني دوليا وإقليميا، خصوصا أن هذا الاجتماع التمهيدي لن تحضره إسرائيل ولا الفلسطينيون. وأعتقد أنه سيحدد موعدا في سبتمبر للدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام، وهذا ما يطرح احتمالات التطورات الدراماتيكية في سورية والعراق وغزة. وربما يذهب ليبرمان إلى حرب بعد تعينه وزيرا للدفاع في حكومة اليمين الهشة. وربما يواجه التحالف الحكومي الإسرائيلي اهتزازا يؤدي إلى انتخابات مبكرة أو التجاوب مع الإرادة الدولية والعودة إلى الحكومة الموسعة والدخول في عملية تفاوضية تعيد إحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد، لا سيما أن الظروف الإقليمية ربما تكون مثالية وغير مسبوقة بالنسبة لأصدقاء إسرائيل من المنظمات اليهودية والدول الصناعية الثماني الذين عقدوا اجتماعهم الأخير مع الرئيس أوباما في اليابان في الأيام القادمة.

طبعا الحديث عن السلام الآن يبدو أمرا وهميا أو مثاليا إلى حد ما، بسبب التجارب السابقة والموجعة مع إسرائيل، إلا أن التطورات الحربية في المنطقة لا بد أن تجد طريقها إلى السلم. والقاعدة تقول إنه ما من حرب يمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية مهما طال النزاع. ولا بد من التوقف عند التحولات التي حدثت وتحدث في إيران بعد الاتفاق النووي والانتخابات الإيرانية الأخيرة، وتطورات العراق وسورية، وكذلك الأمر في ما يحدث في تركيا بعد استقالة أحمد داود أوغلو، والحديث عن تحولات كبيرة في طبيعة النظام التركي. على هذا الأساس لا تستطيع إسرائيل أن تبقى على الجمود الذي حكم سنواتها العشر الماضية، وتحديدا بعد احتلال العراق وتناغمها مع التطرف الإيراني بقيادة أحمدي نجاد والحرس الثوري، وربما قد جاء دور إسرائيل لتكون في دائرة التحولات.

لا نستطيع تجاهل التطور الجديد وهو ظهور موقف واضح لرؤساء المنظمات اليهودية الأميركية بتأييدها مبادرة الرئيس السيسي والمبادرة العربية للسلام من خلال بيان صادر عنها موقع بأسماء رؤساء تلك المنظمات، وأنها مستعدة للضغط على إسرائيل من أجل تحقيق السلام وعلى أساس حل الدولتين، مما يضع نتنياهو وإسرائيل في مواجهة المنظمات اليهودية الداعمة والضامنة لدولة إسرائيل، منذ قيامها حتى الآن. وهنا السؤال هل يستطيع نتنياهو وإسرائيل مواجهة اليهودية العالمية؟