يمثل النظام في كل دولة ضابطا مهما للحياة، لا يمكن أن تسير أمور الناس أو تسيّر مصالحهم من دونه، وأنظمة المرور، مثل كل الأنظمة، وضعت لتنظيم الحركة المرورية التي هي جزء من الحياة العصرية اليوم.

الالتزام بتلك الأنظمة يضبط السير، ويسهل حركة المركبات، ويقلل أخطار الحوادث المرورية؛ لذا تركز الدول على تعليم مستخدمي الطرق من قائدي المركبات تلك الأنظمة التي تؤهلهم للقيادة الآمنة، وتحرص من أجل ذلك على منحهم رخصا معتمدة تؤكد إتقانهم سائر المهارات المطلوبة.

يحصل ذلك في كل الدول، بما فيها بلدنا الآمن هذا، لكننا نلاحظ على طرقاتنا، حين نقارنها ببلدان أخرى يتعلم فيها الناس الأنظمة ذاتها، أن درجة الانضباط للنظام عندنا أدنى منها هناك.

في دول أوروبا مثلا، لا حاجة لوجود رصيف بعرض أربعة أمتار حتى يعرف مستخدم الطريق أن هذا المسار له، والمسار الآخر خلف الرصيف، لسائق آخر يتخذ وجهة معاكسة، فقط هناك يكفي خط مرسوم على الإسفلت ليجعل كل قائد مركبة يلزم مساره المحدد.

الرصيف الذي عرضه أربعة أمتار عندنا، لا يمنع السائق الذي يريد الانعطاف إلى الاتجاه الآخر، ويعترضه زحام شديد، من أن يركب الرصيف ليأخذ الاتجاه الآخر، بينما في أوروبا يكفي هذا الخط "المرسوم على الأسفلت" ليجبر السائق على الانتظار ريثما تسير المركبات المصطفة أمامه لينعطف في الاتجاه الآخر، من النقطة المحددة للانعطاف؛ سواء إشارة مرورية أو دوارا، أو ما شابه ذلك.

من يلاحظ ذلك عندنا يدرك أننا نعيش خللا؛ لا أظنه في معرفة النظام بل في تطبيقاته. وجود هذا الخلل يعني الحاجة إلى علاج جذري، تتكاتف حوله كل الجهود؛ بعد أن فشلت أجهزة الرصد وقسائم المخالفات في القضاء على الخلل.

تلك الجهود لا بد أن تبدأ من مقاعد الدراسة في الصفوف الدنيا، وتستمر إلى حصول الشخص على رخصة القيادة؛ إذ من غير المنطقي أن نتوقع من شاب في الثامنة عشر من العمر، يدخل معهد تعليم القيادة مدة شهر، على الأكثر، أن يخرج متشربا القوانين مؤمنا بأهميتها، وهو الذي بدأ تعلم القيادة في سن الثالثة عشرة "من والده" بلا نظام، مثلما لا يمكن أن نتوقع من فتاة تركب السيارة مع السائق، وتجبره على السير بسرعة، أو الانعطاف فجأة، أن تدرك أنظمة مرورية لم تتعلمها، ولم تحصل فيها على شهادة تكون حجة عليها.

نحن في حاجة ماسة إلى منهج دراسي يحمل اسم "مهارات القيادة" تكون قيادة المركبات، وما يخصها من حديث عن لوحات المرور، وحقوق المشاة، والعقوبات والمخالفات أحد أهم أبوابه، وتكون قيادة الحياة، وتطبيق الأنظمة، واحترام الدوائر والمؤسسات الحكومية بابا آخر، ثم تكون القيادة الذاتية وتحديد الأهداف ومعرفة طرق تنفيذها بابا ثالثا، وهكذا.

مثل هذا المنهج ينبغي أن يدرسه الجميع؛ طلابا وطالبات، لأن الجميع يستخدم الطريق، وينضبط للنظام، ومن الضروري جدا أن يتعلم أبناؤنا جميعا كيف تكون الأنظمة أداة صحيحة لضبط الحياة، وللبعد عن الفوضى والعبثية التي لا يقتصر خطرها على الشوارع، بل يشمل المؤسسات والإدارات وحتى البيوت.